الثقافية - عطية الخبراني
تحدَّث الناقد الدكتور عبدالله بن محمد الغذامي حول دخوله الإعلام الجديد بأن الأمر بالنسبة له كان سؤالاً داخلياً منذ وقت طويل، وظل السؤال يحضر ويغيب دون أن يحسم تماماً؛ لأنه في لحظة من اللحظات يجد نفسه في حالة من التناقض، فحين يتذكر كتابه - والحديث للغذامي - عن الثقافة التلفزيونية والشاشات الثلاث، وأنه في الوقت ذاته ما زال يتعامل مع وسيلة تقليدية هي الورق، يأتيه هذا السؤال: هل أنا متفرج من بعيد فأكتب عن عالم آخر؟ أم أنه يجدر بي أخلاقياً ومنهجياً أن أدخل هذا العالم وأتعرف عليه، بمعنى أن أضع نفسي في امتحان، وبمعنى أنني إذا دخلت إلى الوسيلة الحديثة فما الذي سيحدث للغتي وقلمي وخطابي ومصطلحاتي وصيغة التواصل بيني وبين الطرف الآخر الذي أصبح حياً ومتفاعلاً ومباشراً، ونستطيع أحياناً أن نقول إنه طرف شرس في تعليقاته وتعقيباته وأحكامه؛ فهل نظل نعيش في أبراجنا الثقافية وفي الفحولة الثقافية؟ أم يحسن بنا أن ندخل في التجربة ونضع أنفسنا تحت التجريب؟
ويضيف: قررت أن أضع نفسي تحت امتحان، لم يكن سهلاً على المستوى السيكولوجي في يوم واحد وليلة واحدة أن أقرر الدخول إلى تويتر ثم وفي الليلة نفسها أحسم الموقف وأقرر الدخول إلى الصحافة الإلكترونية، وبالطبع دخولي إلى تويتر هو الذي حسم سؤال الصحافة الإلكترونية؛ فربما لو تأخرت في الدخول إلى تويتر أو عزفت عنه كنت سأستمر على الصحافة الإلكترونية، لكن بمجرد أن دخلت إلى تويتر أصبحت مثل الذي دخل في نهر ليسبح بملابسه ثم قرر أن يخلع ملابسه، وإلا ما معنى السباحة بالملابس؟ فأنا فعلت ذلك وواصلت السباحة، لكنني أُبيّت النية لتكون هذه التجربة موضوع كتاب قادم، مثل الرحالة الأجانب حين يأتون إلى بلادنا أو بلاد غيرنا ثم يكتب الواحد منهم عن الرحلة. أنا دخلت في رحلة الآن، وأتمنى أن أكتب عنها يوماً.
وحول إمكانية أن يسرقه الإعلام الجديد من الورق ومدى خوفه من ذلك يجيب الغذامي: إن حدث وسرقني الإعلام الجديد فسيكون خبراً عظيماً وكبيراً، وهذا معناه أن التحول صار جذرياً وليس شكلياً، وليس مجرد إضافة مصاحبة، أو استغلال فرص؛ لأنه من الممكن أن نقع تحت حبائل استغلال الفرص واستثمار اللحظة، ككثافة الجمهور مثلاً؛ فتكون مثل المرشح الذي يبحث عن أصوات الناخبين، أو الاحتمال الآخر وهو أن يسرقني الإعلام الجديد أو البديل كما أحب أن أسميه، فأن يسرقني حقاً فمعنى ذلك أن الحالة لا تصبح حالة استغلال فرصة، ومعناه أن هناك تغيراً حقيقياً جذرياً، ولن أمانع ولن أقاوم المتغيرات، فإذا استطاع ذهني وجسدي وقدراتي الفنية كقلم ولغة ومفردات أن تجد طريقها فسأسلك الطريق.
وفي جوابه عن سؤال حول الخوف من الإدمان يضيف الغذامي: إذا بدأنا بوضع العقبات أمام أنفسنا وأننا نخشى أن يقع كذا أو يحدث كذا فليحدث؛ لأن مجرد الدخول في التجربة هو فعل ثقافي ومعرفي، وأتذكر حين كنا صغاراً أنه كان يقال لنا «إذا قرأت الكتب سوف تدمر عيونك وتصاب بالتلف» فهذه هي المخاوف القديمة نفسها تتكرر، ولكن بلغة مختلفة، فأنا مذ عرفت نفسي وأنا أقرأ الكتب وبقي نظري كما هو، كان ضعيفاً وما زال.
وعن تحوله إلى الحرية في كتابة المقالة دون ارتباط بصحيفة ما يوضح الغذامي: كان عندي التزام أخلاقي وليس مادياً ولا قانونياً بأي شكل من الأشكال لجريدة الرياض، فكنت لا أنشر أي مقال إلا في جريدة الرياض منذ قرابة الثلاثين عاماً، وعن مشاركاتي خارجها فهي مشاركات مناسباتية أو طارئة، وأحسست بأنه آن الأوان أن أكون كاتباً حُرًّا، أي أنني أرقب حالة الكتابة لا مكان النشر، فمن عادتي أن أكتب أكثر من مقال في وقت واحد حين تشغل ذهني قضية معينة، فأقوم بكتابة مجموعة مقالات، فنريد أن يكون شرط المقال هو الذي يقرر المكان، فنوعية من المقالات تصلح في مكان ولا تصلح في أماكن أخرى، وهذه ليست مفيدة لمن يريد أن يبرم عقداً مع صحيفة معينة ولها ارتباطها المادي، لكن هذه المسألة لا تهمني، وبما أنني تحررت من هذه المنطقة فحريتي الآن تجعلني أتحرك حسب إرادتي، فعندما انتقلت للصحافة الإلكترونية لم تكن قضية الارتباط في ذهني، فأنا منذ عامين والقضية تشغلني لكنني كنت أفكر في قضية التزامي الأخلاقي مع صحيفتي الأولى وكيف أحله، وهل أنشر بالوسيلتين في آن واحد، وهذه تحتاج إلى توافق الأطراف الثلاثة، وقد لا يتحقق ذلك لاختلاف شروط النشر هنا وهناك، فحينها تكون مرتبطاً بآخرين، ولا بد من اتخاذ قرار؛ فوصلت إلى وفاق مع صحيفتي بأن أغادر برضا وليس نتيجة غضب أو خصومة، وخرجت بلغة الصداقة والتوافق، وشرحت لهم ذلك، والخيار الثاني هو الذهاب لصحيفة إلكترونية، والجواب أنني مقتنع بها وبأعداد الداخلين بها وتجدد المادة فيها كل لحظة ودخول الناس عليها متى أرادوا دون شروط أو قيود، كما أن لغة الخطاب من تلك الأسباب، فحين كتبت المقال الأول وضعت في ذهني ما أسميته باللغة الشاشاتية أي الكتابة التي تتناسب مع الشاشة لا مع الورقة.
وحول التخوف من الإساءة لشخصه في رد ما أو تعقيب على مقال ما يقول الغذامي: ليست مشكلتي على الإطلاق؛ فهذه من الأشياء التي أريدها حقاً، وهذه حقائق اجتماعية وواقع ثقافي اجتماعي، ولا بد من التعامل معه بواقعية تامة، وهي بالنسبة لي إغراء وليست مخاوف.
كما رحب الغذامي بعودة الثقافية قائلاً: لقد فقدناها لمدة طويلة، وطال الفَقْد، والمجلة لها وقع ونوع من العلاقة الجيدة، وربما هو جزء من ذكاء المجلة أن تغيب لبعض الوقت «زر غباً تزدد حباً»، وهذه مراوحة ذكية ولعبة إعلام أذكى؛ فالناس في هذه الفترة مع سرعة المتغيرات يصابون بالملل؛ فربما نعالجه بمثل هذه الألعاب الذكية، وعودة المجلة لها طرافة في النفس والخبر الثقافي.
وعن سبب اختياره لمستشارين اثنين في دخوله للإعلام الجديد يشير الغذامي إلى أنه لم يستشر شاباً من جيل الإعلام الجديد لأن الشباب سيرحبون مباشرة وهذا ليس من الحكمة، ومن الخطأ في العرف الثقافي أن تستشير شخصاً تعرف إجابته سلفاً، لكنني حين استشرت الدكتور عثمان الصيني والدكتور إبراهيم التركي كان الذي يرجح في ظني في البداية أنهما لن يؤيدا الفكرة، ليس لأن الموقع لا يناسبهما هما وإنما لأنهما قد يريان أن الموقع لا يليق بي أنا، فهما يحرصان علي حرصاً بحيث حتى لو قبلا هما الذهاب للشاشة لا يحبان لي ذلك، وبخصوص دخولي لتويتر فمحرضي الأول والأخير على ذلك هو الدكتور إبراهيم التركي الذي ظل يقنعني بالدخول إلى هذا العالم حتى فعلت، كما أن من عادتي ألا أسأل فيما أريد أن أقدم عليه وأنا مقتنع به تماماً، وهذا يجعلني أسأل نفسي لماذا سألت هذه المرة؟ وإن دل على شيء فإنما يدل على أن في داخلي جزء من التردد في مقابل جزء من الرغبة وما بين الرغبة والتردد يأتي سؤال الإقدام فتمت الخطوة نحو تويتر ثم حسمت بعد ذلك بالصحافة الإلكترونية.