معنى الشبح في المعجمات العربية كمعجم العين «ما بَدا لكَ شَخصُهُ من الخلْق»، ثم استعمله المحدثون لما هو ضده فأطلقوه على الشخص لا يبدو بوضوح ثم جعلوه للخفيّ، وارتبط عندهم بالعوالم الخفية كالجنّ الذي يدل معناه على الخفاء. وبسبب من دلالة (الشبح) على الخفاء أخذ لفظ (الشبّيحة)، وهو لفظ انتشر استعماله في الإعلام مع الثورة السورية، ويُطلق على أقوام متخفين موالين للسلطة يدافعون عنها بشراسة. و(الشبّيحة) جمع (شبّيح) على بناء للمبالغة (فِعّيل). ذكر أمثلة لهذا البناء ابن دريد في معجمه (جمهرة اللغة) قال: «رجل سِكّير: دائم السُّكْر. وخِمّير: مدمن على الخمر. وفِسّيق: فاسق. وخِبّيث من الخبث. وحِدّيث: حسن الحديث. وعِبّيث من العبث. وسِكّيت: كثير السكوت. وشِمّير: مشمِّر في أموره...وعِمّيت: لا يهتدي لجِهَة. وسِمّير: صاحب سَمَر. وغِدّير: غادر. وعِرّيض: يتعرّض للناس ويسابُّهم. ...وعِشّيق: عاشق، وربما قالوا للمعشوق أيضًا... وحِرّيف: طعام يَحْذي اللسان. وسِجّين... وطائر غِرّيد: حسن الصوت أو شديده. وصِدّيق: معروف. وزِمّيت: حليم. وشِنّير: سيّئ الخُلق... وشِرّير: كثير الشرّ. وهِزّيل: كثير الهَزْل. وضِلّيل: ضالّ. وفِجّير: فاجر... وبعير غِلّيم: هائج. ورجل خِتّير: غادر. وصِرّيع: حاذق بالصِّراع»، وابن دريد حاول قصر ذلك على السماع في قوله: «اعلم أنه ليس لمولَّد أن يبني فِعْيلاً إلا ما تكلّمت به العرب. ولو أُجيزَ ذلك لقُلب أكثر الكلام، فلا تقلبنّ ما جاء على فِعّيل مما لم تسمعه من الثقات إلا أن يجيء به شعر فصيح». وعلى الرغم من أنّ من ذلك لم يتوقف الناس عن عملهم اللغوي الخلاّق؛ إذ وضعوا، وحقّ لهم ذلك، ألفاظًا أخذوها من الشبح، وهو الوصف الذي أطلق على طائرات أمريكية خفية لا تحسها المَراقب، ثم أطلقت على نوع من سيارات (المرسيدس) الألمانية، ومنه أخذ (شبّيح) أي ذو الشبح، والجمع الشبّيحة، وأما ارتباط اللفظ بالقوم الذين أشرنا إليهم فهو ما شرحته لنا براء الموسى (صحيفة الحياة، الخميس, 08 سبتمبر 2011م)، قالت «اعتادت السلطات السورية على مكافأة أزلامها بأنواع من الرّشى المعنوية والعينية، وبخاصة أعيانها من الضباط العسكريين والأمنيين. وهكذا انتشرت سيارات المرسيدس الشبّحية كتعبير عن مدى نفوذ أصحابها، كما اقتناها بعض الأرستقراطيين من التجار السوريين في الوقت ذاته، كإشارة إلى تقاطع المصالح التي غدت متداخلة في ما بعد. لن التمايز احتفظ لهؤلاء المتنفذين باللون الأسود لسياراتهم، مما يضفي بُعدًا شبحيًّا إضافيًّا...ومع مرور الوقت انتقل المصطلح تدريجيًّا، وبعيدًا من السيارات بأنواعها وألوانها إلى الأشخاص الذين يمتهنون عمليات التّشبيح «التهريب في الأصل من وإلى لبنان»، وقالت «ازداد المصطلح اتساعًا وتنوعًا بعدما لم تعد الظاهرة حكرًا على لونٍ معينٍ من الأشكال والسلوك. فكلُّ مخالفةٍ فظة للقانون استحوذت شرف لقب التّشبيح بامتياز»، وأطلق اللفظ على «العصابات المسلحة التي تستغل جموع المتظاهرين المناوئين، وتعيث فيهم تقتيلاً وتنكيلاً، وفق زعم الإعلام السوري، من طبيعةٍ شبّيحيّةٍ في الاختباء والتخفي». وهذا من دلائل حيوية هذه اللغة الشريفة.
-