يُشكِّل الكاريكاتير الصحفي أهمية كبيرة في مجال الإعلام، مع أن تاريخه ووقت تداوله يسبق الثورة الإعلامية الورقية كما أشير عنه في كثير من الدراسات، واعتبرت الرسومات التي وجدت في الكهوف جزءاً من هذا الفن، إضافة إلى ما اعتبره بعض الباحثين أن الرسوم الفرعونية مثال لهذا التوجه، باعتبارها لغة مهما تنوعت فيها الفكرة أو المغزى، بين الجدية والهزل.
هذه الأهمية تواصلت ليصبح الكاريكاتير الصحفي جزءاً لا يمكن الاستغناء عنه في مجال طرح القضايا، بحضور مؤثر لا يقل أهمية عن المقالة، أو التقرير، أو التحليل الصحفي بل تجاوزها في التعبير لإيصال الفكرة للمتلقي، بأسلوب أكثر تشويقاً وجذباً، نتيجة ما يتمتع به الكاريكاتير من سهولة في الفهم للمتعلم أو الأمي على حد سواء كونه لغة بصرية، تعتمد على الشكل المعبر عن المعنى بعناصر معروفة، لا تحتاج لمترجم، يستقيها الرسام من الواقع، من شخوص وأنماط حياة وعادات وتقاليد، يبحث من خلالها عن الأخطاء لتقويمها، مع اختلاف الطرق والأساليب والقدرة على التنفيذ بين رسام وآخر، فهناك من يعتمد الشكل دون تعليق وهي أصعب حالات الرسم وأميزها، وهناك الأسلوب المتعارف عليه بإرفاق التعليق... إلخ، كما تتنوع فرص التعبير بالكاريكاتير من مجتمع إلى آخر بناء على مساحة الحرية المتاحة والقيم الاجتماعية التي يراعيها الرسام، باعتبار أن دوره الإصلاح وليس تجريحاً أو سخرية.
واليوم يسعدنا أن نطل على هذا العام من جانب ورؤية خاصة نشارك بها آراء أخرى سبقتنا، فموضوع الكاريكاتير قابل للتكرار والبحث، لجمال نهجه وتوجهه الذي جعله أحد ركائز نجاح أي صحيفة، بناء على قوة الرسام فكراً وتقنية وقدرة على الغوص في المجتمع واستلهام قضاياه، ليحيلها إلى فكرة جذابة ومتعة وقبل ذلك مؤثرة خصوصاً تجاه من قصد بها.
خطوط هادئة وأفكار جريئة.
حديثنا اليوم يختص بالكاريكاتير الذي تنتجه ريشة نسائية، مبتعدين عن وصفه بالكاريكاتير النسائي لئلا نخلق شيئاً من التمييز أو التصنيف بين الرجال والنساء من المبدعين في هذا التخصص، فليس من الجائز فصله أو تجزئته، كون الإبداع الفكري والفني أياً كان نوعه، لا فرق فيه بين الجنسين، باعتباره نتاجاً إنسانياً يبدأ من العين رؤيةً والأذن استماعاً، مروراً بالعقل، ليصبح شكلاً من أشكال التعبير التي تُحال إلى سبل التعبير، القلم.. أو.. الموسيقى، أو تعبير مسرحي أو رسم على لوحة، أو تشكيل منحوتة، أو رسم كاريكاتير.. إلى آخر المنظومة.
فقد أخذت المرأة رسامة الكاريكاتير مكانتها وموقعها، وحظيت بالشهرة التي لا تقل عن شهرة الرجل إن لم تكن أكثر وصولاً إلى المنافسة، ووجدت خطوطها الدافئة واسمها الأنثوي، جانباً مهماً من ميول القراء ومتابعتهم لها، ليس انجذاباً للصفة، بقدر ما هو إعجاب بما تطرحه من أفكار، وقدرة على الرسم وتصوير المشهد كونها موصوفة برهافة حس، وقوة عاطفة، ورحمة، وليونة، وبين ما يقابلها لدى الرسامين الرجال من شدة، وجفاف، وقسوة، وميل لاستفزاز الآخر، طرحت حولها تساؤلات عدة من قبل القراء منها.. (هل هناك فارق بين الجنسين في مجال الكاريكاتير..؟، عوداً إلى أن مثل هذا الحضور لم يكن معروفاً ولم يكن متوقعاً، لجهل الكثير إن لم نقل العموم بأن الإبداع ليس لجنس دون آخر.. إضافة إلى الشك في قدرة المرأة على تحمل ردود الفعل وآراء القراء على اختلاف ثقافاتهم بين واعٍ بالفكرة دون تأويل وبين من يراها سهاماً من التجريح غلفت باسم النقد والتقويم.. فتجابه بالنقد اللاذع والتقليل من قدراتها.
والحقيقة أننا لم نكن مفاجئين حينما وجدنا أن الكاريكاتير (النسائي) مع الإشارة إلى عدم التمييز ولكن لتحديد المؤدي أو المعني بالحديث، فقد برز بأعمال رسامات الكاريكاتير على المستوى العربي بشكل ملفت للنظر رغم قلة عددهن، وأعطين الأهمية والمكانة في مختلف الصحف العربية، وأتيحت لهن مساحات متميزة في تلك الصحف، وإذا كان الكثير يتوقعون أن تكون خطوطهن وعناصرهن الأنثوية المتسمة بالإيقاع المتناغم بكثرة الزخرفة والتلوين سيكون لها حضور في رسومهن الكرتونية، إلا أن تلك الرسوم التي تظهر لنا يومياً تتوازى أو تتجاوز خطوط الرسم لدى الرجال بجرأة في الشكل أو في الفكرة أيضاً.
الكاريكاتير النسائي..
دفء الاسم ولسع الريشة
الجميل في الأمر أن الإبداعات الكرتونية التي تبدعها أنامل رسامات سعوديات في صحفنا المحلية مع أنهن ما زلن لم يكملن عدد الأصابع الواحدة، الرسامة منال وهناء حجار ومنال مغني، اللاتي أثبتن أن دفء الاسم لا يعني الرقة والسهولة في المشاركة بطرح القضايا التي تهم المجتمع، بقدر ما جمعن في رسمهن الكرتوني بين الحياة الاجتماعية والأسرية، والحياة العامة وبين السياسة، فأصبحت ريشتهن لاسعة، مؤلمة للعيوب، مرشدة إلى الخطأ، وموقظة للضمير.
آراء حول التجربة النسائية
في الكاريكاتير
يقول رسام الكاريكاتير الفنان عبد الله صايل في الزميلة الاقتصادية إن ظهور أسماء لفنانات سعوديات يرسمن الكاريكاتير بشكل يومي أو شبه يومي.. لا يتعدى تكرار تجربة الرجل من منطلق أنثوي! حيث كنا نتوقع أن تلعب الأنثى وقضاياها دور البطولة فيما تطرح الزميلات.. لا أن يتم استحضار الرجل في مشاهدهن كسبب وهدف! السؤال الأهم هنا يتألف من شقين اثنين: إلى أي مدى يمكن لفنانة الكاريكاتير السعودية أن تستمر في العطاء رغم التحديات المعروفة للموجودين في البيئة الصحافية؟.. وإلى أي حد ستتمكن المرأة من المحافظة على نوعية الطرح كأولوية، وإبراز المرأة كقضية.. وليس كـ “نِـد”! الشاهد اليوم: العين على المرأة ونتاجها، أما الرجل، فيبدو أنه اكتفى بعبء الرياده وهاجس تسويغ المواصلة!
من جانبه تحدث الفنان عبد الرحمن هاجد حول الموضوع قائلاً:
ندرة ممارسة المرأة لفن الكاريكاتير لا تعني اقتصاره على الرجل، فالإبداع لا جنس له ولكن هناك بعض الجزئيات التي جعلت الرجل هو المسيطر على فن الكاريكاتير منها تحمُّل تبعات النقد الذي قد يصل إلى حد التجريح لرسام الكاريكاتير والمرأة بكونها عاطفية تتأثر كثيراً بالنقد ما يؤثر على جودة الطرح وربما يكون للعادات والتقاليد في المجتمع دور كبير في ندرة توجه المراة لرسم الكاريكاتير. كذلك قد يكون لحرية تحرك الرجل واندماجه في المجتمع دور في إبداعه لمشاهدة واقع المجتمع والتصرفات التي تصلح لأن تكون أفكاراً في الكاريكاتير، وفي الآونة الأخيرة شاهدنا بروز بعض رسامات الكاريكاتير.
أسماء لامعة عربياً وعالمياً
واذا كنا نحتفي ونفخر بالأسماء التي أشرنا إليها في سياق الموضوع من الرسامات السعوديات فلنا أن نسلط الضوء من باب التعريف بحضور المرأة كرسامة كريكاتير رغم قلة عددهن الا أنهن اقتحمن المجال ونافسن الرجال ولفتن الأنظار وأثرن القضايا وكشفن الأخطاء. من هذه الأسماء العالمية نذكر كلاً من (كايت سالي بالمر) الأميركية الجنسية (وكلير بريتشير) الفرنسية الجنسية وغيرهن كثير، أما في الوطن العربي فقد حظي عدد منهن بالشهرة والانتشار منهم الفنانة (أمية جحا) وتُعتبر أول رسامة كاريكاتير في فلسطين والعالم العربي (ورشا مهدي) أوّل رسّامة كاريكاتير مصريّة، ورسامة الكاريكاتير السورية (عفراء اليوسف) و(أمل كواش) الحائزة على الجائزة الأولى في مسابقة «حنظلة» لأفضل رسم كاريكاتيري حول النكبة. (رهام الهور) أول رسامة كاريكاتير في المغرب.
مواقف محرضة على منافسة الرجل
تُجمع رسامات الكريكاتير كما جاء في كثير من الحوارات الصحفية معهن على منافسة الرجل والدفاع عن قضايا بنات جنسهن وإزالة ما انتهجه الرجل من تكريم لنفسه وسخرية من المرأة، والحط من قيمة قدراتها في مختلف المجالات.
ومحاولة من رسامات الكاريكاتير في التعبير عن ما لا تستطيع قوله النساء، متخذات من أنه لا يعلم خفايا المرأة وأسرارها إلا امرأة مثلها.
-