قد لايتفهم البعض ماهية النقد أو حتى الغاية منه، وذلك لأن النقد لديهم أحيانا قد يعني الصراخ والتشويش على الرؤية المنطقية المغايرة. ويدخل في هذا مغالطة الحقائق وتصوير الواقع بصورة غير عادلة فيظهر الشيء أو الشخص المنتقد وكأنه الخطر أو الشر بعينه.
وهذه الفئة غالبا ما يأخذ لديها «النقد» –إن صح لنا تسميته بذلك- مزالق شخصية حيث الهدف هو التنفيس عن الذات المحقونة أو حشد العداء ضد الآخر المختلف أو الجديد بدافع الخوف أو الغيرة أو مجرد البغضاء أو حتى من أجل جذب الانتباه لوجود نقص ما تسبب في انعدام الآلية والأدوات المنطقية والعقلية لإثبات النفس. والحقيقة أن النقد البناء هو ميزة عقلية ونفسية كذلك قد لاتتوفر عند الجميع كما أنها قدرة تحتاج إلى ممارسة. ويمكن تعريف النقد البناء على أنه ذلك النقد الموضوعي البعيد عن الشخصنة والتي يعنى به تحسين الوضع لرفع الكفاءة.
يقول الباحث الأمريكي قريج واكر، من قسم التواصل الخطابي في جامعة اوريغون ستيت في الولايات المتحدة أن: «النقد البناء لايمكن أن يكون إلا عن طريق التواصل مع الطرف الآخر interaction وليس عن طريق فعل معين Action. ولإنجاح النقد الهادف فإنه يجب أن يكون مبنيا على تقييم عادل للوضع إلى جانب إشراك جميع الأطراف المعنية بهذا النقد حتى يمكن التعرف بشكل واضح على جميع النقاط».
وحينما نتذكر هذه النقاط المهمة للنقد الهادف ونقرأ بعض مداخلات ومقالات ممن يتسمون بالمثقفين أو المثقفات في بلدنا فإنه تصيبنا الحيرة وخيبة الأمل. فمن الأولى أن يكون الإنسان المثقف أعرف وأقدر على ممارسة مهارة عقلية مثل النقد البناء بحيث يهدف لنشر روح الحوار الصحي بين أفراد المجتمع، كما أنه من المتوقع أن يكون هذا الشخص هو الأبعد عن الشخصية مهلهلة الخطاب والتي تعتمد بشكل أساسي على الانفعالات والتلفيق من أجل التعبير عن وجهة نظر ما. ولكن لا يمكن أن يتطابق الواقع مع الخيال المثالي الحالم في كل مرة ولعلي هنا أتطرق لمقالة قرأتها في لحظة صفوة لم تدم طويلا بعد أن انتهيت من هذه المقالة وهي للسيدة سهام القحطاني بعنوان (الوكيل الجديد يشجع على التمييز ضد المثقفة! متى تصبح المثقفة وكيلة وزارة للشؤون الثقافية؟) والمنشورة يوم الخميس الموافق 2 يونيو من هذا العام في المجلة الثقافية في جريدة الجزيرة.
بدأت السيدة القحطاني مقالتها بجملة فيها الكثير من الشخصنة ضد الوكيل الجديد بل وفيها كذلك عدم احترام لذات الشخص، فقد وصفته بأنه يفتقد للكاريزما والشخصية الثقافية. والحقيقة أنه من المذهل أن تتجرأ هذه السيدة على هذا الوصف وهي كما أعتقدها لاتعرف الرجل الذي في واقع الحال لم يمض على توليه المناصب بضعة أسابيع؛ فمن أين لها أن فهمت أنه بلاكاريزما؟! ثم كيف استطاعت تحليل عقليته وفهم شخصيته؛ ثم الاستنتاج أنه لايمتلك شخصية ثقافية؟ وحينما ذكرت أنها توصلت لاستنتاجها الجبار هذا من «الوهلة الأولى»، فإنه لايسعنا إلا الضحك فحسب ثم التعجب من الجرأة الكبيرة التي بررت لها التعدي على الآخرين بهذا الشكل من مجرد رأي شخصي كونته من «الوهلة الأولى»، وكيف سمحت لنفسها كتابة مقال عن ذلك ووجدت كذلك من ينشره لها؟ وربما أشعر بالفضول الآن لكي أعرف ماتعنيه السيدة بكلامها عن الشخصية الثقافية وهل هناك شخصية لاتمتلك أو تنتمي لثقافة؟ إن كان كذلك، فهذا شئ مثير للتهكم بلاشك لأن الإنسان لايمكن أن يعيش خارج الإطار الثقافي الإنساني بغض النظر إن كانت هذه الثقافة هي ثقافة مجتمعه العام أو ثقافته الخاصة التي تشكلت عبر الخبرات، فالإنسان كائن تواصلي اجتماعي وهذا يعني أنه كائن ثقافي.. بل أستطيع أن أجادل واقول بأن الحيوان كذلك يمتلك ثقافة خاصة فيه لأنه يعتاد على ممارسات معينة تحفظ نوعه. فكيف تفهم كاتبة المقال أن هناك حيزاً يمكن فهمه على أساس أنه انعدام ثقافي!
وكما أعلم من السيرة الذاتية للدكتور ناصر الحجيلان، المنشورة في الصحف، فإنه عاش في ثقافات مختلفة، وهذا يعني أنه تعامل مع بشر متنوعين إلى جانب توليه مهام في السعودية والخارج تتنوع من إدارية وأكاديمية وثقافية؛ فإن كان هذا الرجل لا يمتلك «شخصية ثقافية» فمن يمتلك برأيك يا أخت سهام؟!
ثم ذهبت السيدة سهام لشرح فهمها الشخصي كذلك للفرق بين المناصب الإدارية والأكاديمية والثقافية وقالت إنها تختلف، ثم تجرأت وحددت عمل وكيل الوزارة وقالت إن مهمته هي الوساطة بين المثقفين والوزير! وهذا المقطع في واقع الحال جعل ضحكتي واضحة لمن حولي فالكاتبة تجزم بحزم أن المهام الإدارية والأكاديمية والثقافية هي مختلفة، ولا نعلم من أي مصدر شحذت لنا هذه المعلومة، وكيف لها أن تكون متأكدة بهذا الشكل لتظهر لنا بلسان المعلمة سليطة اللسان وتخبرنا كيف نفكر دون أن تفهمنا كيف وصلت لنتيجتها. ولكن ليس صعبا أن نفهم أنها بلاشك وصلت إليه كما وصلت لسابقه عن طريق تخيلاتها العاطفية وانفعالاتها النفسية وميولها الشخصية.
وبودي أن أذكر السيدة سهام أن فصل المهام بشكل قاطع بهذا الشكل هو غير منطقي ولا يمكن تقبله لأنه غير صحيح. فالوسط الأكاديمي هو ثقافي بالضرورة لتعاطيه بشكل مباشر مع أدوات ثقافية عبر البحث والدراسة، وهذا يجعل من الباحث الأكاديمي عقلية فذة ومميزة لاحترام وتقديم الثقافة بشكل يليق بالمجتمع. وحين الحديث عن الوسط الإداري فهو كذلك وسط ثقافي بقدره واحتياجاته وتميز إطاره، إلى جانب تطور مهارات الشخص من خلاله وتمرسه على مهارات التعامل مع الناس على اختلافهم وحل المشاكل وخلق بيئة عمل ملائمة للجميع وغير ذلك. وحينما يجتمع هذا وذاك في شخص واحد يخدم ثقافة البلد، ألا يجعل هذا العاقلين منا مطمئنين أكثر؟ أوليس هذا ما نريد؟ ثم كيف تحددين أن مهمة الوكيل هو الوساطة؟ لا أعلم كيف لك يا أخت سهام اختزال المهام الثقافية والإدارية لهذا المنصب في كلمة لا تليق بمستوى الإنجاز الذي نحب أن تكون عليه الوزارة؟ يبدو أن الشخص الذي يحتاج أن يتعرف على البيئة الثقافية في البلد هو أنت.
وقد استمرت السيدة القحطاني في كتابتها المليئة بالشخصنة المتوترة، فهي وهذا كلمة بحقها، تمتاز بصفة فهم الأمور رأساً على عقب ثم تقديمها بجرأة وهي ملتوية ومشوهة. فعلى سبيل المثال، فهمت أن تعرف الوكيل الجديد على وضع الوزارة الحالي هو شيء ضده وكأنه برأيها خارج البيئة الثقافية. وربما غاب عن ذهن الكاتبة أن الوزارة بقيت أكثر من سنة ونصف بدون وكيل للشؤون الثقافية، وهذا بلاشك راكم الأعمال وجعل هناك الكثير من الملفات المعطلة. لا يحتاج هذا الاستنتاج المنطقي لدهاء، فغياب شخص يشغل المنصب يعني تعطيل الأعمال، وهذا التعطيل يحتاج بطبيعة الحال لفهم وحل حتى تسير الأمور. ولكن كاتبة المقال لم تفكر كثيراً في هذا؛ فهي مشغولة بحشد الاتهامات وكيلها بالجملة قبل أن تتثبت وتتفهم، فالهدف برأسها واضح هو تشويه الآخر بأي صورة وشكل كان، ولو على أسس مغلوطة.
واستمر فهمها غير السوي للواقع فيما كتبته عن الدكتور الحجيلان وأنه «يشجع التمييز ضد المثقفة»، والحقيقة لا علم لي حتى وقته من أين استنبطت هذا، فأنا متابعة جيدة لجميع الصحف السعودية الورقية والإلكترونية ولم أقرأ إلا الأخبار التي تقول إن الوكيل يشجع مشاركة المرأة بل ويطلبها بشكل حثيث وأنه قال إن الرجل والمرأة سواسية في الأندية الأدبية، وفي عهده بدأنا نتكلم عن رئاسة المرأة للأندية الأدبية، وها هو نادي مكة وبحضور الوكيل ينتخب سيدتين في مجلسه. وهذا لأول مرة في تاريخ السعودية، كما أن هذا الوكيل صرح بأن الوزارة في صدد فتح ادارة نسائية للشؤون الثقافية، وأيضاً هذا إنجاز غير مسبوق. فكيف يكون كل هذا «تمييز ضد المثقفة» إلا لو كانت الأخت سهام تعيش في عالم منفصل خاص بها!
وفي نهاية المقال انتهت الكاتبة بمناقضة واضحة لكل ما ذكرته في مقالتها، فقد شرحت أنها قابلت الأميرة صيتة بنت خادم الحرمين الشريفين ووضحت أن والدها حفظه الله يختار الكفاءة في المنصب بغض النظر عن الجنس، وهنا من باب أولى أن تتذكر السيدة القحطاني أن تعيين الدكتور ناصر الحجيلان هو ثقة ملكية صادرة من رئيس مجلس الوزراء الملك عبدالله حفظه الله. وهذا يعني أنه الكفاءة المناسبة التي رآها الملك رعاه الله.
-
+
_ الرياض