التأريخ له وهج جاذب فيه نار ونور ومن منا الذي لم يكتو به لكن مع هذا لا بد من متابعة وسبر أغواره والسير في تعرجاته ومناحيه إن كانت سهلة سالكة أو متعرجة شائكة..

والكتاب الذي نقرأه اليوم يحتوي على الكثير من المعلومات والأخبار المجهولة للكثير منا.. إنها السلطنة الجبرية في نجد وشرق الجزيرة العربية، كتاب من تأليف الدكتور خالد بن عزام بن حمد الخالدي والأستاذة إيمان بنت خالد.. وهو كتاب ممتع وجدير بالقراءة.. كان من معروضات معرض الرياض للكتاب هذا العام.. وهو يتناول دراسة سياسية وحضرية لدولة الجبور.. ومن المعلوم أن هذه الدولة قد قامت خلال الفترة من 820-932هـ.. وقد كانت هذه السلطنة كما تناولها المؤلف في أوج اتساعها تشغل رقعة جغرافية واسعة من شبه جزيرة العرب وتشمل في الوقت الحاضر دول شرق الجزيرة العربية ابتداءً من الكويت شمالاً وانتهاءً بإقليم ظفار على بحر العرب جنوباً، يُضاف إلى ذلك إقليم نجد في وسط الجزيرة العربية..

ويأتي اهتمام الكتّاب بهذه السلطنة لما تكتنفه هذه المنطقة من الكثير من الغموض نسبة لقلة المصادر، بل ندرتها مما جعل الباحثين يحجمون عن ارتيادها وأن كل من تناول حقبها لم يغص فيها إلا من خلال إشارات عابرة أو مقالات في بعض الدوريات. مثل مجلة السيف للمؤرخ سعود بن زيتون.

ولقلة المصادر اعتمد المؤلفان على التحليل والاستنتاج والترجيحات لردم الفجوات التاريخية والربط بين الأحداث بالإضافة إلى توظيف القصائد الشعرية التي قيلت في مدح ورثاء أمراء الدولة الجبرية.

الكتاب يقع في ثلاثمائة وإحدى عشرة صفحة من الحجم المتوسط وقد احتوى على أحد عشر فصلاً وقائمة من الخرائط والصور.. ومن أهم ما تناوله لمحة جغرافية عن بلاد البحرين وحدودها وبيئتها الزراعية والبحرية والصحراوية ولمحة عنها قبل السلطنة الجبرية وعصر ولادة الخلافة والقرامطة والإمارة العيونية والإمارة العصفورية العامرية وإمارة بني جروان وبني عامر بعد العصفوريين وصلة الجبور بهم وصلة الجبور بآل حميد أمراء بني خالد - كما تناول قيام السلطنة الجبرية وأشهر حكامها.. وتوسع الجبور وصراعهم مع القوى الخارجية.. ونشاط الجبور في دورهم الثاني في منطقة الأحساء ونشاطهم في دورهم الثاني في البحرين وقطر.. ونفوذهم في عُمان بعد زوال دولتهم في الأحساء ونشاطهم الاقتصادي ونظام الحكم والإدارة والحياة الاجتماعية والدينية وآثارهم العمرانية وحياتهم العامة.

وفي نهاية هذا الاستعراض المختصر لهذا الكتاب الجميل يجدر بي أن أشير إلى كتاب تطرق إلى هذا الموضوع وفي هذا السياق يقول مؤلف كتاب القوى السياسية في الخليج وتشكيلها للأحداث في المنطقة د. يوسف سعادة إن في دولة الجبور في الأحساء تنسب إلى جبر بن حسين بن ناصر بن عقيل والذي هو رأس الدولة وحاكمها هو زامل بن جبر وقد تصدى للدواسر في واديهم عام 850هـ وأما أعظم حكامهم فهو أجود بن زامل الذي امتد نفوذه واتسع سلطانه اهتم بالعلم والعلماء. وقد اعتبر سيد الخليج في ذلك الوقت وجاء من بعده ابنه محمد بن أجود ثم خلفه أخوه مقرن بن أجود - ولكني أعتقد أنه مقرن بن زامل - الذي تقاتل مع البرتغاليين فقتلوه في معركة البحرين، إذ كانت إمارتهم تحكم بعض دول الخليج وجزء من داخل الجزيرة العربية غرباً حتى عالية نجد.

الكتاب يسلط الضوء على هذه السلطنة العملاقة التي قد لا يعرف عنها الكثير لكنه يعتبر إضافة مميزة للتاريخ وللمكتبة السعودية.

-