تحدثنا في الحلقات السابقة عن جهد الباحثات على المستوى المحلي والعربي، ونود أن نذكر جهد الباحثات في المجال العالمي، من ترجمات ومقارنات بين الأدب العربي والعالمي، ويوجد في المملكة العربية السعودية مجموعة من النساء يعملن على تطوير التنمية الثقافية من خلال التخصصات العالمية في اللغات الأجنبية، ويحاولن تطبيق بعض النظريات الغربية على الأدب العربي، ويهدفن من وراء ذلك إلى تقدم الأدب العربي، مساهمة منهن في التنمية الشاملة، وقد قام بعض منهن بدراسات على الأدب السعودي للهدف نفسه، فالدكتورة عفت جميل خوقير، الحاصلة على الدكتوراه في النقد الأدبي الحديث (لغة إنجليزية) وتعمل أستاذاً للأدب الإنجليزي في جامعة أم القرى، في مكة المكرمة، اتبعت في أبحاثها المنهج التطبيقي على الأدب العربي، فكان بحثها المطبق على رواية الدكتور- محمد عبده يماني، مثار جدل في المنهج الذي يُطبق بين أدبين في ثقافتين مختلفتين، تقول: «يتلخص هذا البحث في تطبيق إحدى نظريات النقد الأدبي الألماني وهي نظرية Bildungstroman بلدونجسترومان، على رواية الدكتور- محمد عبده يماني، التي كتبها باللغة الإنجليزية، ورائد هذه النظرية الكاتب الألماني المعروف (جون ولفجانج جوته)، ويركز على صورة بطل الرواية وتتبع مراحل نموه من الطفولة وحتى الشباب، والدكتور يماني- كغيره من الكتاب السعوديين- تعتبر الهوية الإسلامية هاجسه الرئيسي، ويتمثل في صورة بطل الرواية (أحمد بن عيضة).
وقد طبقت الباحثة هذه النظرية على رواية الدكتور يماني حسب المقاييس العلمية، وتعتبر الدكتورة عفت جميل خوقير من الباحثات الجادات في مجال التنمية الثقافية والعلمية، ولها دراسات نقدية تستحق الوقوف عندها وقراءتها، وقد كان دأب عفت خوقير على البحث نابع من حرصها على مزج الأدب العربي بالآداب العالمية الأخرى، واستخلاص مزيج يفيد الأدب بصفة عامة، مع الاحتفاظ بشخصية كل أدب على حدة، ومن الدراسات التي اهتمت بها حول هذا الموضوع دراسة عن المسرح الحديث، تناولت فيه جانباً من أعمال (هارلد بنترHarold benter)، وعلاقته بالمسرح الحديث، وقد حرصت الباحثة على عقد مقارنة بين بنتر وأبي المسرح الحديث (هنريك إبسن)، وتوصلت في بحثها إلى أن أعمال بنتر تنبع من جذور هذا المسرح، ولا تتفق مع مسرح الغضب، أو العبث، أي مسرح النصف الثاني من القرن العشرين، وما نسميه المسرح المعاصر، كما شاركت الدكتورة عفت جميل خوقير في العديد من المؤتمرات والندوات، ونشرت الكثير من المقالات حول تنمية الفكر عند المرأة، ومقارنته بفكر المرأة الغربية التي تحررت من الكثير من القيود التي تعيق التنمية، فكان مقالها المعنون (صورة المرأة في السرد المكي وتأثير المكان والزمان) معالجة لوضع المرأة الحقيقي كما صوره الروائيون والساردون، ومشاركتها في التنمية من خلال الأسرة، والمشاركة الفاعلة بجانب الرجل في بناء أسرة متكاملة سعيدة، وكانت ورقتها التي قدمتها في مؤتمر المرأة المسلمة المعاصرة، قضايا وآفاق، المنعقد في ماليزيا مثار جدل حول ما طرحته من آراء تعزز من موقع المرأة التي لم تعد رهينة الموضة وإنجاب الأطفال فقط، بل تعدت ذلك إلى المشاركة في العمل التنموي، وهناك كثير من المشاركات قامت بها الدكتورة عفت جميل خوقير، بجانب الباحثات الأخريات والمفكرات في سبيل التنمية والرقي بالمجتمع، وخاصة المرأة، فها هي الدكتورة لمياء باعشن الحاصلة على الدكتوراه في الأدب الإنجليزي، باحثة وناقدة أدبية وكاتبة مقال، مر ذكرها من قبل، لكننا سنقف معها في تأطير الأسطورة في التراث العربي، فتمتعت بالدقة في تأصيل المصطلحات بين اللغتين والدلالة المادية للكلمة ونجد في نفس المجال الدكتورة فاطمة إلياس قاسم، وهي الحاصلة على الدكتوراه في الأدب الإنجليزي الحديث، ولها باع طويل في الترجمة إلى اللغة العربية، ومشاركات فاعلة في المؤتمرات والندوات، ومن أبحاثها المميزة في مجال التنمية القافية عند المرأة، ورقتها التي قدمتها في ملتقى نادي جدة الأدبي، وكانت الورقة مثار نقاش طويل بين التيارات، استطاعت أن تقنع كل تيار بوجهة نظره، ونجد بجانب الدكتورة فاطمة إلياس، الدكتورة فاطمة الوهيبي، باحثة في النقد الأدبي ولها دراسات في مجال التنمية الثقافية، وقد حصلت على عدد من الجوائز الأدبية في المسابقات التي أقيمت لهذه الأغراض، ولها نظرة في التراث الميثيولوجي وتنمية المواهب من خلال التراث، وتعددت مواهب فاطمة الوهيبي بين الفكر والنقد ومناقشة الآخر في حقول المعرفة، بجانب نشاطها المعروف في الملتقيات والندوات. وإضافة إلى ما ذكرنا، هناك دراسات نقدية تقدم بها عدد من الباحثات في الجامعات السعودية حول الأدب ونقده، وما أفرز من التنمية الثقافية في العقود السابقة، من مبدعين وصحافيين، وشخصيات ساهمت في التنمية الثقافية.
وبجانب ما ذكرنا، هناك دراسات أجريت على الأدب الحديث من قبل دارسات في مراحل الدراسات العليا، كان معظمها في مجال الرواية التي حظيت في السنوات العشر الأخيرة باهتمام الدارسين، لسببين: الأول، توفر المرجع الأساسي للدراسة، بعد ظهور أول دراسة عن الرواية في المملكة، على يد كاتب هذا البحث، فلم يوجد مرجع قبل هذه الدراسة التي ترجمت إلى اللغة العربية، ونشرت عام1997م، والسبب الثاني، غزارة الإنتاج الروائي في المملكة في السنوات العشر الأخيرة، مما أتاح للباحثين مادة روائية متعددة الاتجاهات. وكانت الفرصة مهيأة لظهور هذه الدراسات في كتب مطبوعة، بعضها طبع بتوصية من لجنة المناقشة في الجامعة التي نوقشت فيها الرسالة، والبعض الآخر طبع على نفقة المؤلفين من دور النشر العربية والمحلية، وقد أثرت هذه الدراسات المكتبة العربية، من خلال معارض الكتب والمكتبات التجارية، وشجعت الدارسين على مواصلة دراساتهم وتنمية الحس البحثي والعلمي والثقافي، ونجد بجانب هؤلاء دراسات حرة ظهرت مساهمة في النهضة التنموية الفكرية، من باحثات اخترقن التابو المعهود للرجل فقط بدراسات تستحق منا الوقوف عندها ومناقشتها،ولعلنا نتمكن من ذلك فيما بعد.
-
+
الرياض