ارتبط اسمُه (بالعمل)؛ فما تزالُ إنجازاته في الضمان الاجتماعي ونظامي العمل والتأمينات الاجتماعية وأساسات رعاية الشباب تستعيدُ أُبوته لها وعنايته بها، وربما كان الوزيرَ الأكثر ذكرًا والأوفر شكرًا بين وزراءِ العمل والشؤون الاجتماعية؛ إذ مَأسسَ باقتدار في مرحلة البدايات الممتلئةِ بالعثار؛ حيث العجزُ المالي والقصور البشري وغياب النماذج والمناهج.
غادر المشهد الوزاري منذ عدة عقود (1975م) وما يزال اسمُه ذا صدى لدى مؤرخي الإدارة والمعنيين بشؤونها وشجونها؛ فتواترت الحكايات عن نزاهته وإخلاصه وأسبقيته، وهو - مع ذلك - ناءٍ عن تلميع نفسه بخطابٍ أو كتاب، وبمحاضرةٍ أو مناظرة؛ متفرغَا لأسرته ومكتبه الخاص ولقراءاته ورحلاته؛ مستبقيًا علاقاته الجميلة مع الناس؛ في جدة «حيث يقيم»، وفي غيرها حيثما حلّ.
امتاز بحب الخير وخدمة المحتاج؛ فبدا رقمًا مهمًا في الدائرةِ الاجتماعية رغم انحسار الأضواء الإعلامية التي واتته أعوامًا في الوزارة وفي مؤسسةِ المدينة الصحفية حين صارَ مديرًا عامًا لها.
بدا لتعددِ مكوناته العلميةِ وخبراته العملية دورٌ في تميزِ شخصيته؛ فمن الكُتَّاب للمدرسةِ النظامية (النجدية) لأخرى «زبيرية» وصولًا لجامعة القاهرة، ومن معلمِ صبية لموظفٍ نافذٍ في وزارتي الخارجية والمالية والقطاع الأهلي بلوغًا لتسنُّم الحقيبة الوزارية ومتبوعةً بالعمل الدبلوماسي والإعلامي والإداري والشورَويّ، وقلةٌ من تسعفهم إمكاناتهم لمثل هذا الطيف المتعدد الثري.
روى الدكتور عبد الرحمن الشبيلي في كتابه (أعلام بلا إعلام- ص149) أنه اقتسم راتب وظيفةٍ واحدة بمسمى معلم مع زميله أستاذِنا التربوي الكبير عبد الرحمن الصالح العليان رعاهما الله، وربما كانَ ظرفُ الواقع الوظيفي إذ ذاك هو المحركَ لهذا الفعل، ولكنّ معرفتنا بالشخصيتين يؤكد انطلاقهما من قيم الإيثار والتسامي وشرف الخدمة العامة..
معالي الأستاذ عبد الرحمن بن عبد الله أبا الخيل (عنيزة 1926م) يعيش حياته الهادئةَ مسترجعًا كفاح البدايات ونجاح النهايات وأثرَ حبِّ الناسِ وقربهم في سيرِ الحياةِ رخاءً تصاعديًا ينعَكسُ طولًا في العمرِ وسدادًا في العمل ورضًا بما قدّمَ فتقدم.
كنا نتمنى أن لو كانَ بيننا سجلُ سيرَته ومسيرته لنقراَ نظرية (التحدي والاستجابة) لا كما قررها «أرنولد توينبي» بل كما عاشها (أبو أيمن)، وهو ما يلقي مسؤوليةً على المؤسسات الثقافية الرسمية والأهلية في تبني مشروع المذكرات الشخصية ؛ تُكتب وتُسجل بالنيابة، وتُستخلص منها دروسٌ لشباب الإدارة والأعمال بعدما تلوثت كثيرٌ من النماذج أمامهم بحكايات الزيف وشُبَه الفساد.
يبقى أنّ مالا يدركُ كتابًة يستدركُ شفاهًة، وقد وعينا ارتيادَ الشيخ أبا الخيل مجلسَ (مُطلَّة) للراحل الغالي عبد الرحمن البطحي -رحمه الله-، والشيخ العزيز عبد الرحمن الإبراهيم البسام -أمدّ الله في عمره-، عدا استضافته زائريه في جدّة وعنيزة، ولعل شهودَ هذه المجالس يروون مالا نرى؛ فالرسمية المتحفظةُ بين المسؤولين السابقين والحاليين لا تقنعُ الباحثينَ عن ظلال الصورةِ وأمدائها.
كُرِّمَ الشيخ أبا الخيل في عددٍ من المنتدياتِ والمناسبات، ونحسبُ أنه جديرٌ بالأكثر، ولعّلَ مركز ابن صالح يدعوه قريبًا للقاءٍ مفتوح يستهدفُ الناشئة؛ فمن بدأَ حياته بنصف وظيفة ونصف راتب وارتقى أعلى الذرى بفاصلٍ زمنيٍ يسير دون أن تشوبَ ذلكَ حساباتٌ ذاتُ كسورٍ حقيقٌ باستقراءِ التكوين البيئيّ والأنَويّ والثقافيّ، ونسألهُ أن يستجيب.
الذهبُ لا يصدأ.
-