ذكرت في مقدمة مقالتي فلول النظام الثقافي أن المشهد الثقافي ما بعد الانتخابات الأدبية سيتغير عن ما كان قبل الانتخابات، ومن ظواهر ذلك التغير ظهور فئات جديدة ستسيطر على المشهد الثقافي في المرحلة المقبلة، كتعويض عن خروج فئة المثقفين من اللعبة الأدبية، وأشهر الفئات الجديدة حسب الظهور «فئة المتحولين» التي أشرت إليها في مقالتي فلول النظام الثقافي، و»فئة المستثنيين» التي أشارت إليها الدكتورة لمياء باعشن في مقالتها «الانتخابات النزيهة=مساواة-استثناء»، التي فجرت من خلالها قنبلة تهدد شرعية الانتخابات الأدبية وخاصة في جدة.
وفي المقالة لفتت الدكتورة لمياء ذهن المتابع للانتخابات إلى مسألة مهمة تتعلق «بفئة المستثنيين» وسقف الحد القانوني الذي يجوّز لمجلس الإدارة الأندية الأدبية ممارسة الاستثناء وفق شرطه وضبطه.
وكانت المفاجأة التي بلا شك أذهلت الكثير من المتابعين للشأن الثقافي كما أذهلتني؛ وخاصة أن الدكتورة لمياء تكتب وتعلق من «مصدر الحدث» فهي عضو في الجمعية العمومية لنادي جدة الأدبي ومرشحة لعضوية مجلس إدارته القادمة، بمعنى أن ما تقوله ليس ظنا أو تأويلا لمسألة تحتمل الصواب والخطأ، بل معلومة تستند إلى مرجع حاضر بتمام قوة إدراكه.
وهو ما يجعلنا كمراقبين للانتخابات أن نتعامل مع واقعة «التلاعب بالاستثناء» و»سوء استخدامه» جهلا من قِبل الوسيط التنفيذي «بعقيدة التصور» وحينا «قصدية استغلاله» من قبل لجنة إعداد انتخابات نادي جدة الأدبي، معاملة جادة واستباقية من باب»سد الذرائع» وحماية ما سيتحقق من مكتسبات من شبهة»الجُنحة القانونية» أو «المساءلة القانونية».
وكما يعلم كل من أطلع على لائحة الأندية الأدبية أن لمجلس إدارة النادي الأدبي الحق في أن يستثني أحد شرطي القبول المُوجبِين لقبول عضوية المتقدم للجمعية العمومية.
لكن ما حدث وفق ما أوضحته الدكتور لمياء في مقالتها أن بعض مجالس إدارات الأندية الأدبية «تمارس الاستثناء بإلغاء شرطي القبول» وهو ما يخالف اللائحة ويوقع الجمعية العمومية في شبهة الجنحة القانونية.
وهي تقصد النادي الأدبي في جدة على الخصوص، ولا يعني ذلك أنه الوحيد الذي طبق الاستثناء.
لكن ما يخص النادي الأدبي في جدة أنه فتح «باب الاستثناء» على غير هدى من «عقيدة التصور» لكل من «هب ودب» وهو أول الأندية الأدبية الذي مارس «الإقصاء ضد المثقفين»، كما رفع سقف الاستثناء، وهو ما أثار سؤالا مفتوحا متعدد الاحتمالات عن الغاية من إلغاء حد الاستثناء عند مجلس إدارة النادي.
وهل هناك صفقات غير قانونية تُحاك مقابضة بين «أعضاء مجلس الإدارة الحالي المرشح لعضوية المجلس القادم» كطرف أول و»فئة المستثنيين» كطرف ثانٍ لإنتاج تكتلات وائتلافات من باب «نفعّني وأنفعك» وهو ما يُفسد الخارطة الأدبية داخل النادي؟!.
وهو ما يعني أيضا أن «فئة المستثنيين» وفق ذلك الإلغاء فئة تُعتبر دخلت الجمعية العمومية «بطريقة غير شرعية» وترشح أحد أفرادها إلى عضوية المجلس هو «إجراء غير قانوني»، كما أن وصول أحد أفرادها إلى عضوية مجلس الإدارة أو الوصول إلى رئاسة الإدارة» يهدد شرعية النادي الأدبي» ويوقعه في شبهة «الجنحة القانونية»؛ لأن المستثنى» يُشارك ولا يحكم» باعتبار أن وجوده «وازن» وليس «مؤثرا».
ومن هنا يصبح وصول «فئة المستثنيين» إلى مجلس إدارة النادي غير قانوني؛ لأن دخولهم الجمعية بإلغاء الشرطين غير قانوني، وما نتج وفق ما هو غير قانوني يصبح حكمه غير قانوني بالتبعية.
فالاستثناء ليس «حقا مكتسبا» للجنة الإعداد للانتخابات «مجلس إدارة النادي» وبالتالي فالطعن في حاصله هو قانوني.
بل -الاستثناء- هو مضبوط على الافتراض «بقيمة إضافية» يضر بها «شرطا القبول» الأساسيين لعضو الجمعية العمومية، ووفق تلك القيمة لا يتحقق الاستثناء إلا بتوفر «القصدية والنفعية».
ومن خلال القاعدة السابقة أستطيع القول بأن الاستثناء يقوم على مبادئ ليكتسب شرعيته؛ أي تحقيق تكافؤ القدرات.
ومنها بمبدأ «على الافتراض» الذي يُمثل من خلال حقيبة المعرفة العامة للقيمة وتقديراتها والوسيط التنفيذي، وكلا الممثلين يعتمد على عقيدة التصور للكائنية وفق الموقف والمقتضى والظرفيات، وأظن أن هذه هي إشكالية الاستثناء «أزمة عقيدة التصور».
فعلى أي أساس يعتمد «الوسيط التنفيذي» الممثل من خلال مجلس إدارة النادي في تحقيق «الاستحقاق الموجِب للاستثناء»؟.
على ثلاثة أمور؛ «التنوع والإضافة والتوازن»، وبالتالي تصبح «فئة المستثنيين» هي «فئة ذات طابع وظيفي» تحقق فائدة التنوع بين أعضاء الخلية المُختارة، وفائدة الإضافة وفائدة التوازن السني والجنسي والعرقي والطائفي، وبذلك تتحقق القصدية والنفعية من تطبيق الاستثناء.
ويجب أن تكون فوائد «فئة المستثنيين» حاضرة في ذهن الوسيط التنفيذي للاستثناء.
ليُستثمر لِم شُرع له.
واستخدامه فيما لا يُحقق تلك الفوائد يدخل من باب «سوء الاستخدام» «فصل «الفساد الإداري».
تندرج ممارسة الاستثناء -وأنا أخص هنا فيما يتعلق بمسألة الانتخابات الأدبية- في إطار تكافؤ فرص القدرات، وهو ما يُدخل الاستثناء ضمن المعقولية لا الخصوصية؛ لأن كل ما ينتمي إلى المعقولية يدخل ضمن الاشتراك العام، في حين كل ما ينتمي إلى الخصوصية يدخل ضمن التمييز، أو هكذا أعتقد.
والسعي إلى تطبيق فوائد الاستثناء يحمي حاصله من الخصوصية ويدعمه كرافعة لمعقولية توازن القوى بين المختلفين والمتنوعين.
وأي خلط بين المعقولية والخصوصية يُفسد قانونية الاستثناء؛ لأن المعقولية تكفل فرص تكافؤ المبدأ النفعي لقانون الاستثناء الذي يجوّز تجاوز الحكم العام تقديرا لشأن القيمة ويحلّها تقديرا لغايتها.
في حين أن الخصوصية كونها لا تحقق المستوى الكافي من «قدرة القيمة» وهو ما يُجاز لأجلها كتقدير شأن، وكونها تعتمد على رأسمالية طبقية، ستُخلّ بالمبدأ العام لِم شُرع له الاستثناء.
وبذلك يصبح الاستثناء قانونا بحدين ومن هنا وُجب تفعيله وفق إطار احترازي أو ضابط آمن.
وسيقول البعض إن اللائحة قد وفرت ذلك الضابط الآمن حتى لا يُستغل الاستثناء في الاحتيال الاستحقاقي. وهو قول صحيح دون علاته، ولا يتحقق في غياب جهل الوسيط التنفيذي لعقيدة التصور المبني عليها «جواز الاستثناء»؛ أي رفع الضرر والمشاركة.
فما لا يعرفه الكثيرون إذا كان الاستثناء هو تجاوز مباح للحكم العام «لرفع الضرر ومشاركة من يملك القدرة ويفقد ما يُوجب التأهيل»‘ فهو في الوقت ذاته قانون؛ يملك ضوابط ومعايير اختيار «عقيدة التصور» وإن لم تكن لديه مواد مٌنصصة‘ فهو تجاوز ممعير لا فوضوي.
وأي فوضوية تعتري ذلك الاستثناء نتيجة غياب عقيدة التصور تٌفقد قانونيته.
فكيف يصبح الاستثناء مصدر فوضى؟ أو كيف يُفسد الاستثناء قانونية الحكم؟
من خلال إشكاليته؛ فإشكالية الاستثناء هي غياب المعرفة العامة «لحقيبة ما هية القيمة ومستويات تقديراتها» وغياب «المواصفات العامة لسلم القدرات».
وبناء على غياب العام من معرفة القيم يكون العجز عن تحديد ما يُمكن أن يٌضاف إليها.
ويمكن تعويض ذلك الغياب وما يترتب عليه من عجز عن تحديد ما يمكن الإضافة إليه عبر وسيط يمثل المعرفة العامة للقيمة وتقديرها وما يمكن أن يُضاف إليها.
وموجز القول في هذه النقطة إن الإشكالية الرئيسة للاستثناء لا يمكن حلّها إلا عن طريق وجود وعي «بعقيدة التصور» ممثلة عبر «حقيبة المعرفة العامة للقيمة ومستويات تقديرها» أو وسيط تنفيذي يُعوّض من خلال خبرته في مجال «عقيدة التصور» ما «يُعادل محتوى تلك الحقيبة».
وبدون ما يُعد الأصل أو ما يُعادل الأصل يفقد الاستثناء أهميته في تطوير القيمة أو تحسين نوعيتها ويصبح مصدر فوضى.
ويصبح مصدر فوضى بفضل «جهل الوسيط التنفيذي» بضرورة معرفة ما يُمكن أن يحققه الاستثناء من وظائف وازنة للمنظومة المختارة سواء على مستوى التقابل الكمي أو الانسجام النوعي أو على مستوى الروابط المُضافة لتأكيد التكيّف بين أعضاء المنظومة أو الخلية الوظيفية، مما يجعل الاستثناء إستراتيجية ضامنة لحق الفرد في مشاركة العام وحدوده ضمن تلك الإستراتيجية وهي أن «فئة المستثنين تشارك ولا تحكم».
وإذا كان تدخل الوزارة يفسد قانونية الديمقراطية الثقافية، فسوء استخدام الاستثناء في الديمقراطية الثقافية يُفسدها أيضا، ويوقع نتائجها في شبهة الجُنحة القانونية.
Sehama71@gmail.com
* جدة