المرة الأولى التي زرت فيها الطائف كانت قبل سنوات، صعد بنا الطريق من روحانية مكة بجوها المشبع بحرارة رطبة، إلى سحر الطبيعة في درب الطائف، وكنا كلما ارتفعنا أكثر خف الهواء ولطف، كنت مأخوذة بهذا الطريق الصاعد نحو الجبل بطبيعته الجميلة وصخوره المنحوتة بالماء منذ زمن عتيق، ومأخوذة أكثر بالهواء العليل الذي يجمل ويلطف كلما ارتقينا في الجبل أكثر وأكثر، وزرتها ثانية في أمسية أدبية أقامها مشكوراً نادي الطائف الأدبي عبر لجنة إبداع، لكني لم أتمكن وقتها من التعرف على الطائف المأنوس، لكنني في الزيارة الثالثة استطعت أن أعرف جزءاً من سحر هذه المدينة الغافية على الجبل، وذلك عند حضوري فعاليات (سوق عكاظ الأدبي)، ولعل مما يميز هذا التجمع الثقافي الكبير إحياؤه ذلك التراث الجميل وبعثه لحلم الشعر والإبداع، وكان جميلاً أن يترافق ذلك مع مسرحيات معدة خصيصاً للشعراء الذين لامسوا روح هذا الموقع وربما وقفوا على إطلاله يوماً ما، وإن تفاوتت درجة الإبداع في مسرحة الشعر والشاعر في كل موسم، لكن تظل لفتة جميلة أن يكون المسرح حاضراً وفاعلاً، ومعلماً رئيساً من معالم (سوق عكاظ) خاصة أن فرقة مسرح الطائف من أقوى الفرق المسرحية في السعودية، فالظلال الجميلة لفكرة بعث السوق تستلزم ظلالا أجمل وأعمق للمسرح.
ومن أجمل اللفتات التي سنها (سوق عكاظ) تخصيصه لجنة سياحية لتعريف ضيوف السوق بالطائف، عبر جولات مجدولة لزيارة أبرز معالم المدينة، ومن المعتاد أن تعمد كثير من الفعاليات إلى هذا النوع من السياحة على هامش ملتقياتها، ولكن اللافت للنظر هو جهود القائمين على (اللجنة السياحية لسوق عكاظ) بدءاً برئيس اللجنة صاحب الابتسامة الدائمة الشاعر الرقيق خالد قماش وصولا لعريف الجولات السياحية القاص المبدع محمد النجيمي الذي كان يشعل الأجواء في الحافلات مستحثاً الضيوف على المشاركة، والأستاذ أحمد الجعيد الذي أمتعنا بحديثه الشيق عن معالم الطائف السياحية، والحضور اللطيف للشاعر طلال الطويرقي، فقد استطاعوا تحويل هذه الجولات لأمسيات شعرية ونقدية، حيث استغلوا الوقت الذي يقضيه الضيوف في الحافلات في تنظيم برنامج ثقافي جميل، جسر المسافات بين الضيوف فمن قصائد محمد أبو دومة لقصائد عبدالله السميح، للشاعر محمد يعقوب، والشاعر عيس جرابا، لتعليقات محمد السحيمي وأحمد الزين وحمزة المزيني وقفشات الدكتور عاطف بهجات، وصولاً للقطات الجميلة التي تقتنصها عدسة علي شقير في كل زاوية ومكان، استطاعت (اللجنة السياحية بسوق عكاظ) أن تخلق هذا التناغم الجميل بين الضيوف وهي تعرفهم بالطائف المأنوس.
وهو أمر لم تغفله كثير من الملتقيات، حيث يظل أمر اختلاط الضيف بأجواء وضيوف الفعالية شأناً شخصياً، إما أن يسعى إليه أو يتركه.. كثير من الملتقيات الثقافية لا تهتم بوضع برنامج لتجسير المسافة بين الضيوف، وهو أمر مهم خاصة أن بعض الفعاليات الثقافية تستقطب ضيوفاً من كافة البلدان العربية، فهم يحتاجون هذا النوع من الحميمية ليكون وجودهم فاعلاً ومثمراً.
ولابد من الحديث هنا عن المحاور المطروحة في الفعاليات الثقافية والتي تتشابه في مضمونها مع كثير من المحاور التي تم طرحها في فعاليات سابقة، فالحديث عن (التجربة الإبداعية) في سوق عكاظ، تكرر كثيراً في أكثر من فعالية، وكانت بدايته في نادي الطائف الأدبي حينما نظم في العام الماضي أمسية تحدثت فيها عن تجربتي الكتابية، بمشاركة القاص عبدالواحد الأنصاري، وبعدها بقليل تكرر طرح ذات المحور في نادي الجوف ثم في معرض الرياض الدولي للكتاب ثم أخيراً في سوق عكاظ، وهو أمر لا بأس به، لو تم تحديث المحور بالتركيز مثلاً على زاوية معينة في التجربة الإبداعية، ينبغي أن تكون محاور الفعاليات الثقافية الكبرى مثل (سوق عكاظ) و(معرض الكتاب) متجددة، وفيها ابتكار، وتفتيق للمواضيع التي لم تطرح من قبل، وأعني بذلك أن يعمد أعضاء اللجان الثقافية سواء في سوق عكاظ أو في غيره لاختيار محاور مختلفة ومميزة، مشترطين على المشاركين أن لا يكون قد سبق لهم المشاركة بذات الورقة في فعالية أخرى، فبعض المبدعين يحمل ذات الورقة في أكثر من ملتقى وأحيانا داخل بلد واحد، فورقتي التي ألقيتها في نادي الطائف الأدبي عن تجربتي الكتابية، لم أعد طرحها في أمسية معرض الرياض، بل تناولت تجربتي من زاوية أخرى وهو أمر بادرت به ولم يفرض عليّ.
تظل نقطة أخيرة وهي الشكوى الدائمة من تكرار الأسماء ذاتها في الدعوات، مما يصح لي أن أسميها (القائمة السيامية) فهي أسماء ثابتة ودائمة تدعى في كل لقاء أو مهرجان أو مؤتمر، وكأنهم ملتصقين سيامياً بالدعوات.
ويفترض أن يعمد المسؤولون عن توجيه الدعوات سواء أكانوا من منسوبي وزارة الثقافة أو من النوادي الأدبية إلى تجديد القوائم كل موسم ثقافي، مراعين التنوع في التوجهات والتمثيل، ولن يتم ذلك إلا من خلال وضع قاعدة بيانات للأدباء من كل منطقة وتكون الدعوة لهم بالتناوب سواء في المشاركة أو بالحضور.
* الرياض