هل يحق لنا استعارة بعض الشعارات هنا لنقول: «هذا العام هو ربيع المرأة السعودية»؟ ربيع تفتحت أزهاره بقرار عظيم من قائد عادل أعطى المرأة في عهده كثيرًا من الصلاحيات؛ ليدفع بها إلى واجهة المشاركة الفعلية التي حلمت بها، وناضلت لأجلها عقوداً طويلة، وها هي اليوم تجني ثمار صبرها واجتهادها لتثبت للعالم أنها جديرة بما وصلت إليه.
كان قرار خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - بدخول المرأة لمجلس الشورى، وحق الترشح له في دورته القادمة قراراً مدوياً، اهتم به الإعلام الغربي قبل العربي والمحلي، وما عليك إلا أن تتنقل بين القنوات الإخبارية العالمية لتشاهد برامج خصصت بعض حلقاتها لمناقشة هذا القرار، وتأثيره على مستقبل المرأة السعودية بخاصة، ومستقبل المجتمع السعودي بشكل عام، وهنا تختلف ردود الفعل المتقبّلة لهذا القرار أو الرافضة له، فهناك من استبشر بهذا الخبر وكان على درجة كبيرة من الوعي بدور المرأة وحقها في المشاركة الفعلية في صنع القرار، فاحتفى به على طريقته الخاصة تارة بمقال وتارة بتعليق وثالثة برسالة نصية تُهنئ وتبارك هذه الخطوة للمرأة السعودية، وعلى الجهة المعاكسة نقيض ذلك، فارتفعت أصوات الخائفين من مشاركة المرأة لأسباب واهية وغير مقنعة لأحد باستثنائهم، وقرأت تعليقاً طريفاً لا يخلو من روح الفكاهة يناقش أثر مشاركة المرأة في الشورى على الأسرة لأنه يعتقد أن غيابها يعطل دورها الأساس في تدبير شؤون الأسرة، وأنها ستضيع مهمتها الأساسية!! وتقف هنا متعجباً: أين يعيش مثل هذا الفكر؟ وهل ما زالت ذهنية بعض الرجال في مجتمعنا تفكر بهذه الطريقة الرجعية؟ هل نسي أن المرأة السعودية باتت من تنفق الآن على أسرتها في كثير من الحالات؟ وهل عميت بصيرته عن رؤية دورها في مجالات العمل المختلفة؟ حيث مرّ زمن طويل على خروج المرأة السعودية للعمل ومشاركتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لوطنها، ومع ذلك ربت أجيالاً قادرة على خدمة دينها ووطنها بعد أن غرست في نفوسهم حب الوطن والولاء لأرضه الطاهرة، ولم يسجل ضدها اتهام بالقصور بعد أن نجحت في القيام بدورها في عملها وداخل بيتها، ولا نبالغ كثيراً إن قلنا إنها نجحت في ملء الفراغ الذي يتركه الأب عندما يتخلى عن مسؤوليته نحو أبنائه، لذا فإنّ إهدار الوقت في مناقشة تلك الآراء البائدة مضيعة للجهد وإرهاق للفكر.
دخول المرأة إلى مجلس الشورى وإقرار حقها في الترشح للمجالس البلدية بداية عصر جديد للمرأة السعودية، يعلن ظاهره وباطنه تغيُّراً إيجابياً في المستوى الفكري والاجتماعي، فمعظم المراحل السابقة شهدت إقصاء تاماً للمرأة عن العمل السياسي وأبعدت قسراً عن المشاركة في صنع القرار لأسباب اجتماعية وتشريعية، فأتى هذا القرار الحكيم من قائد واعٍ بمتغيرات العصر ليساهم على المدى القريب والبعيد في تغيير نظرة المجتمع المحافظ للمرأة بالتدريج، بما يعزز مكانة المرأة في مجتمعها، ويعمق مفهوم الانتماء الوطني. وفي ظل الاحتفاء بهذا القرار يبرز سؤال مهم: هل سيتم منح المرأة صلاحيات كاملة أسوة بالرجل، أم سيبقى دورها محصوراً داخل دائرة رئيسها في الشورى أو المجلس البلدي؟ أي سيرتبط دورها بفكر رئيسها ونظرته إلى المرأة في مجتمع تقليدي ما زال ينظر أكثر أفراده إلى المرأة بعين واحدة أساسها التميُّز الجنسي، وإن حدث هذا فستظل مشاركة المرأة وهمية لا تضيف للمياه الراكدة إلا مزيداً من الهدوء، وفقًا لدراسة تقول: «النساء اللواتي يصلن إلى مواقع صنع القرار غالباً ما يتنازلن عن نظرتهن لصالح النظرة السائدة لكي يتمكنّ من النجاح والوصول إلى مواقع القرار وكثيراً ما يتقمصن النظرة الأبوية»! ولكن لو رافق تنفيذ هذا القرار السامي لائحة مفصلة تمنح المرأة صلاحيات المشاركة في اتخاذ القرار، وطرح القضايا والتصويت عليها بعيداً عن الضغوط الفكرية المؤدلجة، هنا فقط تستطيع المرأة النجاح ومواصلة مسيرة التقدم التي يسعى لها ولاة الأمر من خلال هذا القرار. ولا نبتعد كثيراً إذا طرحنا مشاركة المرأة المثقفة في الأندية الأدبية كمثال حي على دور السلطة الأبوية في تحجيم دورها، وحصره داخل دائرة رئيس النادي وأعضاء المجلس، فعلى الرغم من منح المثقفة الحق في الانتخاب والترشح لإدارة الأندية الأدبية إلا أنّ دورها ما زال مرهوناً بنظرة رئيسه، وحتى من وصل منهن إلى عضوية مجالس الأندية شكك كثير من المثقفين والمثقفات في آلية الانتخاب التي جرت في بعض الأندية، بل إنّ بعض الآراء كانت تلوّح بخطط مدروسة تمت في الخفاء لاختيار أصوات ضعيفة لا تؤثر على سلطة المثقف الأبوية، فتظل المثقفة - عضو مجلس الإدارة - رهن أمر الرئيس وأعضاء المجلس، ولا يؤثر رأيها على اتخاذ القرار فهي الحلقة الأضعف بناء على مبدأ أنّ الأقلية لا يعتد برأيهم، ولا أحد يعلم إن كانت هذه التكهنات صحيحة إلاإذا ثبت عكسها، والموسم الثقافي بدأ وسنتابع تقدم عضوات المجالس الأدبية حسب ما منح لهن من صلاحيات لنحكم على صحة الافتراض أو خطئه، وإن كانت تجربة المثقفة سابقاً مع اللجان النسائية في الأندية الأدبية والتي أقرتها وزارة الثقافة في المرحلة السابقة قد خلقت إحباطاً لدى المثقفة، إذ ظلّ حضورها في الساحة الثقافية الرسمية ولا سيما في صنع القرار ضعيفاً، وتعالت على إثره أصوات المثقفات للتنديد بإقصائهن عن الفعل الثقافي بطريقة الحرب الباردة، فالوزارة تقذف بالكرة في ملعب إدارات الأندية الأدبية، وهي بدورها تركلها باتجاه مرمى الوزارة، والمثقفة لم تستطع الإمساك بالكرة ولم تخرج خارج أسوار الملعب، تلك المأساة لن تتكرر لأنّ المثقفة ببساطة شديدة أتقنت التقاط الكرة، وخَبِرت كيف تخرج في الوقت المناسب لتنهي اللعبة، صوت المثقفة الآن أصبح ينتقد الخلل داخل الوزارة، ويفضح سلبية رؤساء الأندية وأعضائها، ولم يعد يرضيها أنصاف الحلول، والغريب في الأمر أّنّ وزارة الثقافة التي يتولى زمام إداراتها المختلفة مثقفون مشهود لهم بالوعي الفكري يشجعون دخول المرأة إلى دائرة الفعل الثقافي، ويناقضون مواقفهم إما بصمتهم على إقصاء المثقفة أو حتى بخلو إدارات الوزارة من المثقفة القادرة على النهوض بالعمل الثقافي على المستوى المطلوب، والآن وقد أقرت الجمعيات العمومية في مختلف المناطق ودعيت المثقفة للمشاركة فيها مرشحة ومنتخبة ليس أمامنا إلا انتظار النتائج خصوصاً في المناطق الكبرى التي تمثل المثقفة السعودية فيها نسبة جيدة مقارنة بالمناطق الأخرى، حيث أعلنت النتائج عن واحدة واثنتين وثلاث في الأندية الأدبية التي عقدت انتخابات جمعياتها، وبقي لنا متابعة انتخابات نادي الرياض وجدة والشرقية كأندية لها تجربة أدبية عريقة، وكمناطق يستقر بها أكثر المثقفات المعروفات على الساحة الأدبية والثقافية، فهل سترضى المثقفة بعد دخولها المجالس بنصف دور أم ستدافع عن دورها كاملاً لتخلق صورة جديدة للمثقفة وتتجاوز إحباطات اللجان النسائية بعد أن أخفقت في تأسيس بصمة فعلية لدورها كمثقفة؟
بقي أن نصفق لقرار الملك الشجاع الذي يكفل للمرأة حقها في العمل والمشاركة جنباً إلى جنب مع أخيها الرجل، ونشد على يد من تصل للمجالس الأدبية والبلدية، ومن تدخل منهن تحت قبة الشورى، ونذكّرها بدورها التاريخي الذي سيدعم مكانة المرأة السعودية ويضيف إلى مسيرة نجاحاتها، هذا إن عملت بجد وآمنت بقدرتها على صنع المستقبل المغاير، وإلا سنظل ندور في دائرة مغلقة بعد أن ضاعت الفرصة على يد امرأة لم تحسن استغلالها.
* بريطانيا