بعد تداول ومشاورة اختار الدكتور عبدالله الغذامي ومعه متابعوه في تويتير الربيع العربي ليكون موضوعاً للنقاش، وحوله تساءل الغذامي مُستسبراً واقعه وبواعثه، من خلال مناقشة السبب الذي تمثله محمد البوعزيزي، الذي اعتُبِرَ - بحسب الكثيرين - مُشعل الثورة التونسية، ورد الفعل أو النتيجة التي تمثلها الشعب التونسي الثائر، وهنا يُشير الغذامي في إحدى تغريداته إلى دور البوعزيزي (الفعل)، ويقلل أو يكاد من دور الشعب الذي صنع ثورته، فيقول: «ماذا لو أن البوعزيزي قتل الشرطية التي أهانته، أو فجَّر السوق، هل كان سيلهم الشعب العربي ثورته؟.. الإلهام له شروطه المتعالية»! وهو تساؤل كل الذين جعلهم الربيع العربي يتشبثون بقناعاتهم ضد العنف، ويرون فيه البرهان الأقوى على سقوط مشروع القاعدة، القائم على سفك الدماء، وقتل الأبرياء، ولكن حتى لا ننخدع بالأيقونة البوعزيزية، ونهبها احتفاء يفوق حجمها، ينبغي أن نعرف أن البوعزيزي مُثير لا باعث، وأنه مُستَلهم لا مُلِهِم، وأن ما حدث بتونس ابتداء ليس إلا ثورة صنعها الله كما عبَّر عن ذلك الدكتور صفوت حجازي في وصفه للثورة المصرية، والفضل بعد الله ليس للبوعزيزي الذي ضعف عن مقاومة الاستبداد، وفر من مواجهته بإحراق نفسه، وإنما للشعب التونسي الذي استلهم بحرقة مآل البوعزيزي الضحية فجعله تضحية! البوعزيزي وبعيداً عن العاطفة كان أشبه بتفاحة نيوتن التي سقطت أمام آلاف المزارعين عبر التاريخ، ولكنها لم تُلهمهم ما استلهمه نيوتن منها، البوعزيزي هو المعادل الموضوعي للتفاحة، والشعب التونسي هو معادل نيوتن وليس العكس، ولو كان حرق النفس فتيل إشعال تلقائي للثورات لثارت كل الشعوب التي أحرق بعض أفرادها أنفسهم كما حدث في موريتانيا والجزائر والمغرب وغيرها، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث!! لكل شيء قدرة على الصبر، وطاقة على التحمل، ومدى للثبات، وما حدث في تونس والأنظمة الشبيهة كان نتيجة طبيعية للظلم والطغيان والاستبداد، وقبل البوعزيزي وتونس قُتل خالد سعيد مظلوماً في الإسكندرية، دون أن يختار هذا المصير، وتلك الخاتمة، ودون أن يُقرر أن يكون الذبيح الذي تُستنقذ به بلاده، ولكن الجيل الذي أحس واستشعر مرارة مظلوميته هو الذي سجل موقفه على الفيسبوك، عبر صفحة كلنا خالد سعيد، وما ذاك إلا لأن الكثير منهم عاشوا أو شهدوا أو سمعوا عن المهانة التي تلحق كل مصري يدخل الشرطة ولو مشتَبَهاً به! لو قُدر للبوعزيزي أن يجو من الحريق لكان حقيقاً بالتعزير أو الحجر لإتلافه نفسه، أو إيداعه مصحة نفسية لإعادة تأهيله ريثما يتماثل للشفاء، فكيف نمنحه بطولة ومجداً لم يصنعهما؟ أين رصيده من الكفاح والتضحية؟ هل ناضل وقاوم كما كل مقاوم وفدائي عبر التاريخ؟ إن كل ما فعله هو أنه قرر أن يحرق نفسه؛ ليتخلص من حياته البائسة، وواقعه المُرّ، وحتى حين قرَّر ذلك لم يدر في خلده أن يكون الشمعة التي تحترق لتضيء للآخرين.. مَنْ يعجز عن مقاومة الظلم أنى له أن يُشعل الضوء ويُضيء الظلام، وكذلك كان البوعزيزي يرحمه الله؟!
Twitter:@abdullah_almolh
* الأحساء