في البَدءِ كانَ التيهُ مائدةً
وكانَ الموتُ ماءْ
في البَدءِ ضاعتْ أمةٌ
ولدتْ شموعَ الأنبياءْ!!
سرقتْ من الغاباتِ صُفرتَها
ونامتْ في العراءْ
حتى إذا الريحُ استدارتْ
سافرتْ للكبرياءْ
***
كفرتْ بـ(عجلِ السامريّ)
ورتّلتْ (سِفرَ الخروجْ)
للمستحيلِ مشتْ
فألّفت الحرائقَ والثلوجْ!!
قطعت صلاةَ الخوفِ
وامتلأت بأسرارِ العُروجْ
الآن ماجتْ أمةٌ.
إن المقابرَ لا تموجْ!
***
كنا نُفصّلُ يأسَنا
شوقاً لفرحتِنا اليتيمة
(سيزيفُ) ملّ
ونحنُ ندفعُ وهمَ صخرتِنا العقيمة
الذلُ ينثرُنا على الأعتابِ
أحذيةً قديمة
وغُبارُ هذا العصرِ يطحنُنا
و تهزمُنا الهزيمة!!
***
كنا نهدهدُ موتَنا
ونغيبُ في خمرِ البلادة
كنا على الشطرنجِ أحجاراً
وليسَ لنا إرادة
منذُ اشتبكنا بالحياةِ
ونحنُ في (عامِ الرمادة)!!
نذوي
لكي يخضّرَ أصحابُ المعالي والسعادة!
***
حُراسُ بئرِ السُحتِ
من زرعوا الدموعَ بكلِ عينْ
باعوا تحسرَنا لنا!!
فالحسرتانِ بدرهمينْ!!
نهبوا مجاعتَنا!!
وما تركوا لنا (خُفي حُنينْ)!!
إن جئتهمْ تشكو ظماكَ
سقوكَ من عَطشِ (الحُسينْ)!!
***
وطنٌ ظلامُ الليلِ أرضعَهُ
فكيفَ إذاً يُضيء؟!
طفلٌ تُلقّنه الشوارعُ
سورةَ العيشِ البذيء
أمٌ يهدهدُ شوقَها الباكي
بريدٌ لا يجيء
ومهاجرٌ ملتْ حقائبُهُ
من القلقِ الخبيء
***
وطنٌ من الأحماضِ
يشهقُ فيه سِدرُ الميتينْ
لم تشتعلْ في ليله إلا
عيونُ المخبرينْ
أعلامُه خفقت
بقمصانِ العراةِ الطيبينْ!!
ونشيدُه الوطنيُ يُعزفُ
من سُعالِ المتعبينْ!!
***
اليومَ جئنا
نقلبُ التاريخَ يا شجرَ الطغاة
من طلقةِ الثأرِ الأخيرِ
نُشعُ في كلِ الجهاتْ
أنّى التفتَ رأيتَنا
نحمّرُ مثلَ المعجزاتْ
لسنا نخافُ الموتَ
تحرُسنا صلاةُ الأمهاتْ
***
نحنُ الربيعيونَ
رغمَ ضراوةِ الوطنِ/الخريفْ
جئناكَ
من مُدنِ الصفيحِ ومن طوابيرِ الرغيفْ
من قطرتينِ من السرابِ
وغرفتينِ على الرصيفْ
من حُزننا اليوميّ
حينَ يلفُ عالمنا الكفيفْ
***
لن ينحني الزحفُ المقدسُ
للمماليكِ الصغارْ
الآنَ يا وطني
ستبتكرُ القناديلُ النهارْ
وردٌ على شجرِ الخريفِ
نبوءةٌ في كلِ دارْ
مطرٌ بذاكرةِ الظما
قلقٌ براياتِ التتارْ
***
هذي بشاراتُ الوصولِ
تلمُ أشرعةَ الحدادْ
تمتصُ غربتَنا
وتخلعُ عن مواسمِنا السوادْ
فالماءُ في التنورِ فارَ
ومشهدُ الطوفانِ عادْ
والكأسُ فاضَ
و(طائرُ الفينيقِ) رفّ من الرمادْ
***
لجلالةِ الحُريةِ الحمراءِ
قرّبنا الضحايا
منها أضأنا كالندى
و بها اتقدنا كالشظايا
فيها عرفنا اللهَ
فانكسرتْ مخاوفُنا العرايا
حتى سفحنا بسمتينِ
بوجه أشباح ِ المنايا
***
يا وجهَنا الوثنيَ
لا تُبرقْ...فما عُدنا نخافْ
هلتْ يواقيتُ الخصوبةِ
بعدَ أزمنةِ الجفافْ
وتحررَ التحريرُ
واكتملتْ أناشيدُ القِطافْ
هذي الحصونُ (الخيبريةُ)
سوفَ يُسقطها الهتافْ
***
يا وجهَنا الوثنيَ
للبارودِ - مهما جُنّ - آخرْ
بالأمس قال البحرُ:
إن الموجَ - في الميدانِ - هادرْ
اسأله:
كيفَ تدفقَ الزلزالُ من غضبِ الحناجرْ؟!
ارحلْ لموتكَ مرتينِ
ولا تقفْ في وجه ثائرْ
***
لا تختبئ خلفَ المُسوحِ
فلنْ تُفيدَ الرهبنة
لا تغزُنا باسم المصاحفِ
يا سليلَ الشيطنة
يتوضأ الشهداءُ
من عرقِ الجباهِ المؤمنة!
يتساقطونَ
وحيثما سقطوا استهلتْ مئذنة!!
***
يا وجهَنا الوثنيَ
صبرُ الأرضِ جفّ...فلا مناصْ
الآن أوفى هُدهدُ الميلادِ
واقتربَ القصاصْ
ما نحنُ إلا فكرةٌ
طارتْ تُبشّرُ بالخلاصْ
حرّضْ علينا النارَ
فالأفكارُ يصقُلها الرصاصْ !