أتأمل في أحيان كثيرة تلك النزعة الاندفاعية لدى البعض للتمسك بالموروث للحد الذي يجعلهم لا يؤمنون بما سواه من حداثة ومعاصرة ليس في مجال الفنون والآداب فحسب بل في كل مجالات الحياة، كثيراً ما يشغلني تضخم هذه الحالة الدفاعية عن النفس والخوف المتنامي لديهم من ضياع الهوية وسطوة الآخر الغريب لانتزاع القيم الأثيرة لدى مجتمع يوصف بأنه محافظ؛ حتى أصبح تعامل أفراده مع أوجه الفنون المعاصرة المختلفة نوعاً من التحدي والمغامرة، يوصم صاحبه بنظرهم بأنه حائد عن جادة الصواب! هنا يأتي السؤال: ما المانع أن يبقى القديم ويتعايش معه الجديد على حد سواء؟ إننا حين نحارب الفكر الجديد بسبب الاعتقاد بأنه سيسلخ ذواتنا من أصولها فكأننا هنا نعكس فقدان الثقة في أنفسنا خوفاً من أي تغيير أو حتى تطوير؛ هذه الحالة الجامدة تعيق السماح بتمازج وتجانس القديم مع الجديد؛ وفي حين أن التطبيق العملي لهذا الكلام يصعب تنفيذه ما لم يتم إيجاد عملية نقدية مهيأة تقوم بموازنة لذلك التحول؛ إذن السبب يعود بنا كمجتمع عربي لا يمارس النقد الصحيح للموروث الذي يفند ويجلو الصورة بشكل كامل، والنقد حين يقوم بدوره فهو لا يتعارض مع التمسك بالماضي لأنه يؤدي إلى إعادة قراءته وهي الوظيفة الحقيقة له وهو أيضاً بالمقابل يقوم باستشراف المستقبل، ليكون هناك مرونة في الواقع الحاضر المعاصر، اللاشعور الجمعي للمجتمع يحرك الأفراد نحو ممارسة الرفض والتصدي؛ وله من القداسة ما يمنع من انتقاده لذا تبقى هذه الحالة المعقدة سبباً كبيراً في التخلف الاجتماعي رغم انتعاش الاقتصاد والتحول إلى مجتمع متمدن بشكل كامل سوى من قضية الفكر التي بدأت الاجتهادات الشخصية ومحاولة الموازنة فيها تصبح محل تصادم هي الأخرى مابين متجاهل للموروث وآخر لا يرى سواه.
Hanan.hazza@yahoo.com