التقيت به لأول مرة في الرياض في أواسط عام ألف وثلاث مائة وأربعة وثمانين.. في مبنى إذاعة الرياض القديم الذي كان في شارع (الفرزدق).. وكان واحداً من عدد قليل من السعوديين تخرّج أكثرهم لتوّه من الجامعة وانضموا إلى الفريق الذي سيكتب الله له شرف افتتاح إذاعة الرياض الذي تم في اليوم الأول من شهر رمضان من ذلك العام ...
وبعبارة ثانية، انضم (فهد الهاجري) عليه رحمات الله، إلى كل من الزملاء الكرام خميس سويدان، وموسى المجدري، وعب دالله هليل، وسعود الضويحي عليه رحمة الله، وعبد الرحمن الشبيلي، ومحمد مصطفى الخواجا، وصدقة محلاوي، ومحمد علي داغستاني، ومنير الأحمد، ومحمد عبدالرحمن الشعلان، ومحمد كامل خطاب عليهم رحمات الله، ومحمد المنصور، ومنير شماء، وعبد الرحمن المقرن، ومسلم البرازي عليه رحمة الله، وحسين أحمد بخش، وسعيد الهندي عليه رحمة الله، ومحمود أبو عبيد، وفؤاد العلمي وعبد الكريم بياضو، وعلي الحلوي، ومحمد هاشم رشيد، وسامي أبو الفرج، وعبد الرحمن منصور الزامل عليه رحمة الله، وغالب كامل، وإبراهيم الضويحي، ومحمد حمد الدعيج، وجميل عثمان فراش، ومصطفى كمال جابر عليه رحمة الله، وصبحي المحاسب، وعبد العزيز عمر جعفر، وراشد الجهني، ومحمد عيد الشيباني، وحمد الصبي، وعبد الله الخريف، ومهدي الريمي، وناصر الطحيني، وسامي جانو، وعبد السلام سفر، وعبد الرحمن المبكي، وظافر القرني، ومحمد المرضي، وعبد المحسن الخلف، وعبد الله الأحمدي، ومكي العشماوي، وصدقة حريري، وعطا الله الطعيمي، ومطر الغامدي، وعبد الله الفايز، وحسن محمد عياف، وعبد الرحمن الغلاييني، والسائق محمد الحمد الحوشان، والمراسل سعد بن فهد بن خميس عليه رحمات الله، والمراسل حامد السوداني، والمراسل رضيمان بن دغيّم الحربي، وعدد قليل آخر لم تحضرني أسماؤهم ... وهؤلاء والنفر القليل الذين لم تحضرني أسماؤهم، كلهم أعزّة كرام أحباء.. وقد شرّفني الله وأكرمني بأن كنت واحداً من هذه المجموعة التي كانت مجموعة رائدة بكل ما تحمله هذه العبارة من معنى.. كيف لا وهي التي قامت على أكتافها إذاعة الرياض، وذلك في عهد معالي الشيخ جميل الحجيلان وزير الإعلام في ذلك الحين أمدّ الله في عمره، وعهد المدير العام للإذاعة الأستاذ عباس فائق غزاوي يرحمه الله.
شرّفني الله كذلك بأن كنت واحداً من خمسة مذيعين بدأت (إذاعة الرياض) بث برامجها إلى مستمعيها ولأول مرة بأصواتهم.. والأربعة الآخرون هم الأستاذ (منير شماء) والأستاذ (منير الأحمد) ابن الشاعر العربي الكبير (بدوي الجبل) عليهما رحمات الله، والأستاذ (خميس حسن سويدان)، والأستاذ (محمد عبد الرحمن الشعلان) عليه رحمة الله ...
وكان مما قدمته في اليوم الأول من بدء (إذاعة الرياض) عملها، وهو اليوم الأول من شهر رمضان عام ألف وثلاث مائة وأربعة وثمانين، الحلقة الأولى من برنامجي اليومي الرمضاني (تحية الإفطار).. كان هذا البرنامج من إعدادي أيضاً وكان يرافقني فيه ويفصل بين فقراته العزف على آلة الناي، والذي كان يقوم به العازف العربي الكبير السيد (عبد السلام سفر).. وقد قام بإخراج هذا البرنامج الأستاذ (مصطفى كمال جابر) عليه رحمة الله.
* * *
وفي الوقت الذي أكرم الله المرأة في بلادنا على يديْ خادم الحرمين الشريفين الملك الأب الباني (عبد الله بن عبد العزيز) فقرر أن تكون في (مجلس الشورى)، وأفسح الطريق أمامها لتكون في المجالس البلدية بحيث تَنْتَخِب وتُنْتَخَب مثلها مثل الرجل.. في هذا الوقت الحافل بالإنجازات الكبيرة، والقفزات الرائعة من عهد (عبد الله بن عبد العزيز) ولا سيما في ميدان المرأة وحاضرها ومستقبلها المشرفين بإذن الله، يطيب لي أن أذكّر بالأسماء النسائية التي كان لها قصب السبق، والمثل الرائد في (إذاعة الرياض)، منذ تأسيسها وانطلاقتها الأولى وطيلة السنوات العشر التي شكّلت الفترة الأخيرة من القرن الهجري الماضي.
وفي هذا السياق، أذكُر اللواتي ساهمن مساهمة فعّالة في تقديم البرامج وشاركن كذلك في إعداد بعض البرامج أو التمثيل في بعضها الآخر.. أذكر ومع حفظ الألقاب، دنيا بكر يونس وأخواتها، وبتول مراد، وعائشة مصطفى حماد، ونزيهة التونسي، وعزة فؤاد شاكر، وسلوى نجم، ونوال بخش، وخيرية السقاف وأختها، ومنيرة الأحيدب، ومنيرة المسعود، وأمل عبد الهادي، وسميرة أبو جيب عليها رحمة الله، وفريال مكي كردي والشريفة فاطمة المنديلي، وسلوى عبد المعين شاكر، ونبيلة السلاخ، وزكية إبراهيم الحجي، ونبيلة فادن، ومنيرة العبرة، وآمال رشيد رضوان، ومزنة العماري.
ولقد شكلت هاتان المجموعتان من الرجال والنساء الذين سبق ذكرهم، بالإضافة إلى العدد القليل الذين نسيتهم مع الأسف، فأنا أكتب من الذاكرة، وقد مضى على بواكير الفترة التي أكتب عنها حوالي خمسين عاماً.. أقول شكلت هاتان المجموعتان من الرجال والنساء، الوقود الوطني اللازم، والحماس العاطفي الباعث، والتصميم المؤكد على تحقيق الهدف المطلوب، فانطلقت (إذاعة الرياض)، وارتفعت كلمتها الطيبة في كل أصقاع الأرض مع مرور الزمان، وأصبحت بحق كلمة صادقة مخلصة سعودية عربية مسلمة أصلها ثابت وفرعها في السماء ...
* * *
كان (فهد الهاجري) عليه رحمة الله واحداً من مجموعة قليلة كما قلت انضمت إلى (إذاعة الرياض) قبل افتتاحها بشهور قليلة، لإعدادهم للعمل كمذيعين.. وأذكر من هذه المجموعة الأستاذ (علي النجفي) والأستاذ (عبد الرحمن منصور الزامل) عليه رحمة الله، والأستاذ (محمد الدعيج) والأستاذ (عبد العزيز عمر جعفر).. واثنين أو ثلاثة آخرين ... واستمر (الهاجري) و(النجعي) و(الزامل) في الإصرار على تحقيق هدفهم في العمل كمذيعين، بينما تحوّل الآخرون إلى أعمال إدارية.
وعندما تم افتتاح إذاعة الرياض في الموعد الذي سبق ذكره، خضع المذيعون الجدد لفترة تدريبية من خلال مصاحبتهم للمذيعين القدماء أمثال (منير شماء) و(محمد عبد الرحمن الشعلان).. وانضم إليهم آخرون مثل (عبد الرحمن الغلاييني) و(مسلم البرازي) عليه رحمة الله، فقد عمل فترة مذيعاً تحت التدريب على كره منه، ولم يفلح في هذا الميدان كما أفلح في ميدان الشعر الغنائي وتألق فيه.. وقد استمرت هذه الفترة حوالي ستة أشهر.
* * *
صار (فهد الهاجري) عليه رحمة الله بعد تلك الفترة التدريبية مذيعاً مسؤولاً.. وصار يقرأ الأخبار، ويكلف بإعداد وتقديم البرامج.
وفي عام ألف وثلاث مائة وتسعة وثمانين وكنت في حينها المسؤول الأول في (إذاعة الرياض)، وكان الشيخ (محمد عبد الرحمن الشيباني) عليه رحمات الله وكيلاً لوزارة الإعلام وقائماً بعمل مدير عام الإذاعة والتلفزيون، لعدم وجود مدير عام لهذين المرفقين في ذلك الحين.. تم الاتفاق مع (شركة الاتحاد الفني)، وهي شركة لبنانية متخصصة في إنتاج البرامج الإذاعية والتلفزيونية ويمتلكها ويديرها ثلاثة من كبار الإعلاميين العرب الفلسطينيين، وهم الأساتذة (صبحي أبو لغد) و(عبد المجيد أبو لبن) و(غانم الدجاني) ... تم الاتفاق مع تلك الشركة التي كنا نتعامل معها على القيام بتدريب مجموعة من الزملاء على فنون العمل الإذاعي من إعداد، وتقديم، وإخراج وغيره، ولمدة شهرين.. وبناءً على هذا الاتفاق سافر عدد من زملائنا إلى (بيروت) للقيام بذلك التدريب، وقد كان من جملة الذين استفادوا من هذا التدريب الزميل (فهد الهاجري) عليه رحمة الله، والزميل (علي النجعي) والزميل (أحمد حريري) من إذاعة جدة، واثنان أو ثلاثة آخرون من (الرياض) و(جدة).. وقد أكمل جميع المتدربين هذه الفترة بنجاح وعادوا إلى أماكن عملهم بكل رضى وارتياح.
* * *
أمضى الزميل (فهد الهاجري) حوالي عشر سنوات من حياته الوظيفية، كنت في السنوات الأولى منها زميلاً له، وكنت في السنوات المتبقية زميلاً له ورئيساً، ثم بعد ذلك قدّمت استقالتي من العمل واستمر (فهد) رحمه الله بعد ذلك في العمل في الإذاعة عدة سنوات ثم ترقى على وظيفة في (المطبوعات) واستمر يعمل في هذه الإدارة إلى أن وصل إلى رأس القمة فيها فصار (مديراً عاماً للمطبوعات)، وقد أحيل إلى التقاعد من تلك الوظيفة القيادية في وزارة الإعلام.
* * *
كان (فهد الهاجري) عليه رحمات الله قمة في التهذيب والخلق الرفيع، وكان حريصاً على أن يقوم بعمله خير قيام، وأن يؤديه بإتقان كامل ...
كان خفيف الروح خفيف الظل، حسن الاستماع والإصغاء إلى من يتحدث معه.. لا يقاطعه حتى ينهي كلامه في الموضوع الذي يتحدث فيه.. فإذا توقف استفهم من محدثه فسأل، أو أضاف، أو علّق على الحديث، أو تدخّل بشكل لبق محبب..
وفي الفترة التي كنت فيها رئيساً له لا أذكر له تهاوناً في عمل، أو تقصيراً في أداء مهمة، أو تأخراً عن الحضور لاجتماع محدد الموعد بصورة مسبقة.. كما لا أذكر له تبرّماً أو تضجراً أو تهرباً من أي مهمة كان يكلف بها مهما كانت الظروف.
وكان عليه رحمة الله يضحك للنكتة التي تروى أمامه من أعماقه.. وكان عفّ اللسان طاهره لا يذكر زملاءه في غيبتهم بسوء، بل كان دائماً ما يثني على المحسن منهم، وربما قدم العذر للآخرين، أو سكت عن مساوئهم التي يتحدث عنها غيره.
في عام ألف وأربع مائة وعشرين، وكنت قد تركت وزارة الإعلام منذ فترة طويلة زرته في مكتبه وكان في حينها - يرحمه الله - مديراً عاماً للمطبوعات، بقصد الحصول على (فسح) لأحد كتبي فاستقبلني استقبالاً لا أنساه، ورحّب بي، واحتفى بي احتفاء خاصاً، وكأنني لا زلت رئيسه، أو بعبارة أصح كأنني أبوه، وقال لي: كان عليك أن لا تزعج نفسك للقيام بهذه المهمة التي كان يمكن أن تكلف بها سائقاً أو مراسلاً من طرفك!.. على كل حال كسبنا زيارتك، وأكرمتنا بالتحدث إليك.. شكرته على موقفه النبيل، وتعامله الكريم الأصيل، وقلت له: أكثر الله من أمثالك.
* * *
مرض (فهد) عليه رحمات الله في أواخر حياته مرضاً عضالاً.. وقد عاش السنة الأخيرة من حياته في غيبوبة كاملة.. وأسلم الروح إلى بارئها في الأيام القليلة الماضية، فرجعت نفسه إلى ربّها راضية مرضية بإذن الله.
* * *
ومع كتابة السطور الأخيرة من هذه الكلمة تلقيت نبأ وفاة الزميل (جميل سمان) عليه رحمات الله مذيع الإذاعة والتلفزيون المعروف، عن عمر بلغ أربعة وستين عاماً.
لقد تعرفت عليه - رحمه الله - عن قرب يوم كلفت بالإشراف العام على (إذاعة جدة) ولمدة ستة أشهر وذلك في عام ألف وتسع مائة وخمسة وتسعين.. وقد كان مذيعاً نشيطاً..
وفي (التلفزيون) اشتهر بابتسامته الدائمة التي كانت لا تفارق محياه أبداً.. اشتهر بصلة القربى التي جمعته بالشيخ (أبي تراب الظاهري) عليه رحمة الله.
ولأنني لا أعرف الكثير عنه، أترك المجال في ذلك لمن عرفوه وخالطوه وصاحبوه أكثر مني، مثل الزميل الحبيب الدكتور (بدر بن أحمد كريم) الذي اشتغل معه (جميل) عليه رحمات الله عدداً كبيراً من السنوات حينما كان (بدر) مديراً للتنفيذ في (إذاعة جدة) ثم مديراً لهذه الإذاعة، ثم مديراً عاماً للإذاعة السعودية.
* * *
وهكذا تودع الساحة الإعلامية في بلادنا في الآونة الأخيرة زميلين كريمين عزيزين، لا تنمحي بصماتهما التي تركاها وراءهما على مرّ الأيام.
سيذكر الناس ولاسيما الإعلاميين منهم الرجل المهذب الوقور الذي تمتع بالخلق الكريم والتعامل المميز واللسان العف (فهد الهاجري) رحمات الله عليه.
وسيذكرون كذلك الرجل النشيط الحيوي المتفائل دائماً وأبداً (جميل السمان) رحمات الله عليه.
إننا نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمد زميلينا الكريمين بظلال رحمته، وأن يكلأهما بدفء عنايته، وأن يشملهما بمغفرته إنه هو التواب الكريم الغفور الرحيم.. وأن يعفو عنهما، فهو عفو يحب العفو كما أخبرنا عليه الصلاة والسلام.. كذلك نسأل الله أن يلهم أهلهما وأولادهما وأحبابهما الكثير من الصبر والسلوان {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
z_aiayoubi@hotmail.com
* الرياض