إنها قناة (الحوار) الفضائية التي دأبتْ بأخَرَة في أكثر من برنامج على التحامل والتهجم على السعودية العزيزة كمملكة، وعلى آل سعود الكرام كحكام، تهجماً وتحاملاً تفوح منه رائحة الحقد الشخصي!!
لقد تكرر التحامل والهجوم ببذاءة وبمناسبة ودون مناسبة وعلى (الطالع والنازل) كما يقول العوام، وبشكل يكاد يكون يوميَّاً حتى ليكاد المرء يظن أنه لا توجد في العالم العربي الآن مشكلة ساخنة تستحق الاهتمام بها والحديث عنها بحماس سوى المملكة العربية السعودية.
وقد لاحظنا أنَّ هذه القناة تحرص على استضافة أناس بأعيانهم غير موضوعيين، وعلى استقبال مداخلات هاتفية لأشخاص «يكررون الاتصال في كل برنامج» من ذوي الاتجاه المعيَّن المرفوض شكلاً والمستهجن موضوعاً.
وللتذكير ولكي نستخلص العبرة ونتجنَّب الأخطاء والأخطار ولا نتعلق بالأوهام، علينا أن نلتفت حولنا لنرى ما حدث ويحدث في البلدان العربية التي يسمى حكامها ثوريين راديكاليين، فقديماً قيل في المثل العامي (ما مِتْ ما شفتْ مين مات).
بدأت الكوارث تحيق بعالمنا العربي في 1948م بعد قيام إسرائيل مباشرة، حين انقلب الضابط السوري (الزعيم أي العميد) حسني الزعيم (الدمشقي) على النظام الشرعي في بلاده برئاسة شكري القوتلي أحد كبار قادة الاستقلال وخَلَعَه من منصبه وأهانه، وقَتَلَ حسني الزعيم من قَتَل، وفي النهاية قُتل مع رئيس وزرائه محسن البرازي (الحمصي) طبقاً لسنّة الحياة القاضية بأن القاتل يُقْتَل ولو بعد حين.
وهكذا قُلِبَت الصفحة الأولى من مسيرة (الاختلال) في سورية، ثم حكم العقيد سامي المناوي (الحلبي) بانقلاب مماثل وأمْضَى في الحكم مدة قصيرة قلقة لم يقدم فيها لبلاده شيئاً بل عاد بها خطوات إلى الوراء ثم سقط قتيلاً، وأعقبه العقيد أديب الشيكلي (الحموي) الذي ارتكب مذبحة الدروز في جبل العرب بجنوب شرقي سورية، وما لبث أن سقط وفرَّ إلى البرازيل حيث قُتل بعد سنوات على يد أحد الدروز السوريين المطالبين بالثأر منه، أغتيل وهو جالس في مقهى بأحد شوارع (ريودي جانيرو) العاصمة، بعد أن ظن أنه ببُعْدِهِ في المهجر قد أصبح في مأمن وأمان.
وأخيراً جاء (البعث) وأعلن نفسه قائد الثورة والمجتمع، وألغى كلَّ من سواه، واستبد وتربع على عرش سلطة اعتمدت على (19) جهازاً أمنياً أرعبت الناس وسلبتْهم حريتهم وضيقت عليهم سبل عيشهم، وما زالت سورية إلى الآن تعاني الكثير مما نراه ونسمعه حالياً بحزن وحَرة وألم وقنوط.
ونترك سورية لنذهب إلى مصر حيث انقلب عبدالناصر في يوليه 1952م على الملك الشرعي فاروق بزعم فساده، ولكنه وطَّد خلال ترؤسه مصر حوالي (18) عاماً أركان حكم بوليسي رهيب، وأشاع فساداً يفوق ما سبقه من فساد الملك فاروق المزعوم بمقدار كبير، ودمَّر الاقتصاد المصري، وشرَّد الوطنيين الأحرار وملأ السجون والمعتقلات بمعارضيه، وأدخل بلاده والعرب في حروب خاسرة أشدها هولاً وأكثرها وطأة حرب 1967م في فلسطين، حيث ما زال العرب أجمعون يعانون من آثارها المدمِّرة وسيبقون يعانون إلى ما شاء الله، هذا بالإضافة إلى حرب اليمن غير المبررة التي شغلتْ جيش مصر وأنهكت اقتصادها. وجاء بعده السادات الذي صالح إسرائيل ولم يسترد بصلحه سيناء كما كانت من قبل ولم يُعِدْها إلى أحضان الوطن كما ينبغي حتى ليمكن القول إنه حصل على نصف تحرير لم يكتب له الكمال حتى الآن. ثم جاء مبارك، ولا نريد أن نتحدث عنه فالأحداث الجارية تتحدث عنه بما فيه الكفاية، وما زالت أوضاع مصر متأرجحة لم ترس على بر (كما يقال)، ونسأل الله لها ولشعبها العزيز السلامة والنجاح، وعودة الأمن والأطمئنان.
بعدها ننتقل إلى تونس لنرى العجب العجاب، فقد حكمها (بن علي) بالحديد والنار، وملأها بالفساد والأغلال، وقدَّم فيها المفسدين والفاسدين على المؤمنين والمخلصين، وأطاح بعلماء الدين، وأحلَّ ما حرم الله وحرم ما أحله، ونَهَبَ هو وزوجته وأقاربهما حتى ثملوا، فباء لذلك بما وصل إليه من غربة وهوان عقاباً له في دنياه قبل أخراه.
ثم ننتقل إلى العراق وما أدراك ما العراق، إنَّ صفحات كاملة لا تكفي لوصف مأساته، فقد أسقط نفر من الضباط المشاكسين في تموز 1958م الحاكم الشرعي ببغداد الملك الشاب فيصل الثاني، وقتلوه وسحلوه في الشوارع مع خاله الأمير عبدالإله ورئيس وزرائه نوري السعيد بشكل بشع لا يتخيله من ينتمي إلى فصيلة الإنسان، وتقلَّبت ظروف العراق وانتقلت من تعاسة إلى تعاسة أضخم ومن مصيبة إلى مصيبة أشد إلى أن انتهت بصدام الذي أمعن تقتيلاً في شعبه من جميع المذاهب والأعراق، وقذف رعاياه العراقيين الأكراد في الشمال ومواطنيه العرب في الجنوب بالغازات السامة، ثم أشعل حرباً ضروساً ضد إيران لا داعي لها استمرت ثماني سنوات دُمِّر خلالها اقتصاد العراق وانتهت بالاحتلال الأجنبي للبلاد وخُتمتْ بتعليقه على المشنقة جزاءً وفاقاً على ما اقترفت يداه.
ولنذهب الآن إلى اليمن السعيد لنرى بحزن شديد ما آلت إليه الأمور هناك، فقد ساءتْ إلى حد لا يُتَصَوَّر، وما زالت تزداد سوءاً يوماً بعد يوم ،ولا يدري أحد إلى أين ستصل ومتى ترسو سفينة النجاة وعلى أي شاطئ للأمان سينزل الركاب.
وأخيراً (ولا نذهب إلى أبعد من ذلك) نصل إلى الجماهيرية الليبية العظمى بقيادة الأخ العقيد القائد معمر القذافي (ملك ملوك أفريقيا وعميد الحكام العرب) الذي أطاح بالملك الطيب الرائع إدريس السنوسي بعد الاستقلال مباشرة لنرى حالياً ونسمع ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من الأحداث الموجعات، ولنشاهد أيضاً فنوناً من جنون القذافي الذي حكم بلاده (42) عاماً بالحديد والنار وأوشك أن يصبح فيها إلهاً يُعْبَد -والعياذ بالله- من دون الله.
لقد سمعتُ بنفسي من يهتف باسمه في مظاهرة مفتعلة كالعادة في إحدى المناسبات (القذافية) تأييداً له قائلاً (لولاك ما كنا)، فوصل النفاق بهذا الهتاف إلى ؟؟؟ البشعة الشنيعة.
وفرض القذافي كذلك قرآنه الجديد (الكتاب الأخضر) التافه، وأصبح شخصه أضحوكة مبكية لكل من هبَّ ودبَّ من شعوب وزعماء العالم الأول والثاني والثالث حتى العشرين، وأزْرَى بمنزلة العرب في عيون الجميع في مشارق الأرض ومغاربها، والكل في كل الدنيا ينتظرون حتى الآن القبض عليه أو قتله بعد أن دفع الليبيون ثمناً باهظاً للخلاص منه ومن نظامه تمثل بأكثر من ثلاثين ألف قتيل ومائة ألف جريح على الأقل وعشرات آلاف المفقودين بالإضافة إلى خراب العمران واضطراب الأحوال وسواء الأوضاع، فهل يستحق الخلاص من الدكتاتور القذافي كل هذه الخسائر (المهولة) عجبي!! تُرى هل يُراد بنا ولبلادنا الغالية هذه أن نغطس في مستنقع القلق والدمار والخوف وفقدان الأمن والأمان واضطراب الأمور وخراب الاقتصاد ونَحْر الدين ورجاله وتدمير القيم الاجتماعية والإنسانية الموروثة على النحو الذي حدث حولنا؟!
لقد أودتْ بالعرب أكاذيب أحمد سعيد (غوبلز) عبدالناصر صاحب (أمجاد يا عرب أمجاد)، وأراجيف الصحاف بُوق صدام الذي تنبأ بحماسة بانتحار العلوج الأمريكان على أسوار بغداد، وتخاريف مدمن الدخان الأزرق المدعو موسى إبراهيم الناطق الرسمي بأم الأخ العقيد القائد معمر في (الجماهيرية العظمى)، فهل المقصود أن (ينبت) بيننا من جديد أمثال هؤلاء المرجفين ليقلبوا الحقائق مرة أخرى ويجعلوا الليل نهاراً والهزيمة نصراً والخوف أمناً والفقر ازدهاراً، والبحر طمينة (كما يقال)؟!
نحن لا ندعي أننا أمة نعيش في مملكة سكانها من الملائكة (ذلك في السماء)، فنحن بشر يعتورنا الخطأ كما يعترينا الصواب، ويشوبنا النقص كما يزيننا شبه الكمال، والدولة السعودية تعمل بلا كلل ولا ملل في البناء والإصلاح.
إن الذي لا يخطئ هو الذي لا يعمل، المهم أن توجد نية عازمة وقدرة صارمة وعمل دؤوب على طريق الإصلاح، وهذا متوافر ولله الحمد في المملكة العربية السعودية لا تخطئه العين ولا ينكره إلا كل جاحد.
عندنا جامعات كثيرة متقدمة، ومدارس أكثر متكاملة، ولدينا مستشفيات على أعلى المستويات العالمية وشوارع عريضة مرصوفة، وميادين واسعة جميلة، وشبكة مواصلات داخلية وخارجية جوية وبرية وبحرية هائلة، ومبان شاهقة أنيقة، وأنفاق تسهل عبور المركبات وتيسر سيرها، وعندنا كل مستلزمات الحياة العصرية وأكثر من العصرية مما قد يستعصي على المرء حصره.
أنا شخصياً كمواطن سعودي لا أنسى أنني عُولجت من أربع أزمات قلبية متتابعة خلال عشرين عاماً في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض أرقى مشافي الشرق الأوسط (مجاناً) وتسلمت طوال هذه المدة أدويتي (الكثيرة جداً) المخصصة لعلاجي ومنها أدوية تساوي الحبة منها دولاراً واحداً أو يزيد (مجاناً) أيضاً.
لقد أُدْخِلْتُ المستشفى للعلاج في 2-12-1992 وخرجتُ والحمد لله سالماً، ومن عجائب المصادفات أنَّ صديقاً لي يقطن في إحدى العواصم العربية التي طالتْ ثوريّتها إلى أكثر من ثلاثين عاماً، أُدْخِل المستشفى في اليوم نفسه للعلاج من نوبة قلبية أصابته وخرج ميتاً (رحمه الله).
طبعاً الأعمار بيد الله، ولكل أجل كتاب، وإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون، هذه حقائق بدهية لا يختلف عليها اثنان، ولكن هذا لا يمنعنا من القول بأن التجهيزات الطبية الحديثة المتطورة إذا توافرت قد تكون (بإرادة الله) سبباً كافياً للإنقاذ، وقد تكون إذا لم تتوافر مسببة للهلاك، هنا دولة غير ثورية تبني وتُعَمِّر، وهناك دولة ثورية (حتى النخاع كما يدعي حكامها)، ولأنها كذلك فهي لا تبني ولا تُعَمِّر، بل ربما تدمر اكتفاء بالشعارات اللاهبة البراقة التي يتخيل الناعقون بها أنها تُسمن وتُغني عن جوع وعلاج، وما هي كذلك.
فماذا يريد لنا وبنا المهاجمون المتهجّمون المتحاملون المتصايحون بالشر وبالباطل صباح مساء؟!، لقد وحَّد الجزيرة العربية وأرسى دعائم المملكة العربية السعودية المترامية الأطراف وأسس هذا البنيان الشامخ فارس القرن العشرين بلا منازع الممتلئ بالحكمة الرصينة والرؤية الثاقبة وأقام أول وحدة حقيقية شهدها العرب في تاريخهم الحديث. الحياة في المملكة وفي سائر دول الخليج هي (في أسوأ الأوضاع المتخيَّلة) أحسن ألف مرة من مثيلاتها في باقي البلدان العربية ثورية كانت أو غير ثورية، غنية كانت أو غير غنية.
كلمة أخيرة لقناة (الحوار): قليلاً من التعفف والترفع عن أساليب الإهانة الشخصية التي تمارسونها بصخب غريب واندفاع عجيب، وعليكم أن تلتزموا جادة الصواب بالنقد الموضوعي دون تهويمات أو هرطقات وخزعبلات، فربما كان (إذا التزمتم) نقداً مقبولاً لا يُسْتَهْجَن، شريطة أن تسلم فيكم النيات، وعليكم أيضاً أن تقولوا خيراً أو تصمتوا.
نحن في المملكة المحروسة لا نعرف -والحمد لله- مصطلحات (زوار الليل) و(وراء الشمس) و(خذوه فغلّوه) ولا نستعمل ألفاظاً عفا عليها الزمن مثل (الزئبقية والانبطاحية) ونحوهما من المصطلحات الزائفة.
إنه إذا كان قَصْد المسؤولين عن القناة المذكورة مما يقولون هو الابتزاز الرخيص فإن هذا لن يتحقق هنا بأية صورة من الصور وفي كل حال من الأحوال.
أستاذ سابق في الجامعة