أعادني الأستاذ عبدالفتاح أبو مدين إلى فترة العقد الأول من هذا القرن من خلال قراءة كتابه القيم (أيامي في النادي) يقصد فترة رئاسته للنادي الأدبي في جدة، عندما تحدث عن تجربته في أول أمسية مستشهداً بما كتبه الدكتور عبدالله الغذامي عن قلة حضور الأمسية إياها بعد استقدم لها كاتباً مصرياً كبيراً طمعاً في أن تكون بداية الأمسيات متميزة حتى تستقطب أكبر عدد من الحضور؛ لكن العاملين في النادي أصيبوا بخيبة أمل لانعدام الحضور تماماً، فعمد أحدهم إلى الخروج إلى الشارع لينادي المارة وأصحاب المحلات القريبة من النادي مخبراً إياهم عن وجود حفل خطابي وعشاء بأسلوب مغرٍ، فتوافدوا على النادي واستمعوا للمحاضرة، ومرت الليلة بسلام، ونحن في الباحة قد مررنا بذات الموقف يوم أن رأى الدكتور إبراهيم الزيد، أمير المنطقة آنذاك، شفاه الله، باعتباره أحد أدباء الوطن، أن يتضمن برنامج التنشيط السياحي في سنته الأولى محاضرة ثقافية، قبل أن يوجد النادي الأدبي فيها، وأوكل العمل على تنظيمها إليّ، فاتفقنا أن يكون ضيف الأمسية الشاعر المدني محمد هاشم رشيد، يرحمه الله، ونسقنا مع إدارة المعهد العلمي في الباحة لتكون صالة المعهد مقراً للأمسية، لأن صالته واسعة ومهيأة للنشاط المنبري، وما أن حان موعد الأمسية حتى أسقط في أيدينا نظراً لانعدام الحضور، فلجأنا إلى اللواء عبدالرحمن الشهراني مدير شرطة المنطقة في ذلك الوقت، وهو من ذوي الرصيد المعرفي والثقافي، ليسعفنا بمجموعة كبيرة من رجال الأمن بالزي المدني، وكم كان أريحياً في تجاوبه وتفهمه للموقف فامتلأت القاعة بالحضور، وتمت الأمسية أو كما يقول الإخوة المكيون (مشت الزعيمة) ولكن بعد قلق وحرج غير مسبوق، فالمنطقة يومذاك لم تكن مهيأة للأجواء الثقافية ولا يوجد بها من المرافق في هذا الصدد غير مكتب المدينة الذي عملت على افتتاحه والعمل به ليكون أول وجود إعلامي فيها، وكان الفضل في إيجاده يعود بعد الله إلى الأستاذ أحمد محمد محمود رئيس تحرير صحيفة المدينة في تلك الفترة.. والحق أن حضور الأمسيات الثقافية لا يزال قليلاً حتى في ظل وجود الأندية الأدبية، ولا أجانب الحقيقة عند ما أقول إن نادي الباحة الأدبي كان متميزاً في هذا الجانب، وهذا انطباع عن الفترة التي أمضيتها فيه وشهدت جميع مناسباته الثقافية، وهي موثقة بالصوت والصورة، وذلك بعدما وضعنا خطة محكمة ترمي إلى تنمية أعداد الحضور، ولا أعلم ماذا حدبعدي بعد ما تركت الجمل بما حمل بقرار أقل ما يوصف به أنه متسرع وغير منطقي، وقد أوضحت انطباعي عنه وتألمي منه في رسائل تبادلتها مع وزير الثقافة والإعلام الذي تبرأ منه وعزاه إلى لجنة مشكلة لهذا القرض!!.
لكن -وفي ظل العزوف الحاصل- لابد من وضع إستراتيجية لتنمية أعداد الحضور لمناسبات الأندية الأدبية، عمادها موضوع الأمسية وفارسها، فلا يستضاف من ليس لديه بضاعة، ولا تلعب المجاملات والعلاقات الشخصية عملها في قبول أيّ موضوع، إلى جانب إغراء الناس بالحضور من خلال إشعال الأمسية بشيء من المسابقات، والجوائز العفوية بعد إنتهاء المحاضرة، فالبدايات تتطلب التضحية إلى أن تترسخ في أذهان الناس أهمية مراودة النادي في أيّ وقت، وقد قال لي مدير مدرسة متقاعد عندما دعوته للاستفادة من نشاطات النادي فلم يزد على أن قال إنه من طريق والثقافة من طريق، وهذه كارثة إذا ما أعطيناها حقها من التأمل، ولا بأس من إيجاد مرافق ترفيهية، كالبيلياردو، والتنس، وما في حكمهما، وكل ذلك يتطلب مباني كبيرة وقادرة على استيعاب كافة النشاطات الثقافية والفنية، ثم لا بأس من دمج جمعيات الثقافة والفنون في كيان واحد تحت مسمى واحد هو النادي الثقافي، لأن الثقافة تجمع الأدب والفن، وفي ذلك منع للازدواجية والتكرار.. وفي الصباح يحمد القوم السرى.
-
+
الباحة