باستمتاع شديد قرأت ما كتبته لمياء باعشن تحت عنوان «تفكيك العقدة الأنشاصية» في الجزيرة الثقافية بتاريخ الخميس (8 رجب 1432 - العدد 345)، وربما أحيل استمتاعي هذا إلى تلك البرهنة العملية على ما جاء في فضفضة الجمعة في صحيفة «الوطن» بعنوان «حين تلد المرأة فأراً» في غرة رجب 1432، فانفكت بحق عقدتي!.
وإن كان من إشارة هنا إلى ما جاء في تعليق لمياء على هذه الفضفضة، فإنني أكتفي بتأكيد حقيقة غابت عنها، وهي أن المرأة التي (تلد فأراً) ليست هي المرأة التي ولدتنا في أنشاص ولا ولدتها حيث ولدت، وإنما هي المرأة التي غررت بها المقولات الغربية ففصلتها عن واقعها، ليس المجتمعي فحسب، بل القيمي والأخلاقي، والأنوثي أيضاً، فأصبحت مجرد لسان في جسد، فتصرخ تصرخ تصرخ...، ثم لا تلد إلاّ فأراً!.
مشكلة المرأة العربية (على الأغلب وليس تعميماً بالتأكيد) في عصرنا هذا، أنها تعيش في وهم كبير، ذلك الوهم الذي يجعلها جاهلة تماماً بطبيعتها التي خلقها الله عليها، والأدوار التي يسرها الله لتستطيع القيام بها، فتنسى أن رقتها حضارة، وحياءها فضيلة، ورعايتها لزوجها وطاعته وحسن تربيتها لأبنائها (ولسانها) أسمى رسالة تستطيع أن تخرج بها من هذه الحياة، وهذه هي خارطة الطريق لتقدم المرأة، ولا أقول لـ»تفكيك الوهم اللميائي» على غرار «تفكيك العقدة الأنشاصية»، إذ شخصنة مثل هذه القضايا لا يليق، وإن كان على ما يبدو أن أغلبهن في الوهم لمياء!، ولكن هل تفهم ذلك من ترى في التطاول والسباب دفاعاً عن حقوق المرأة؟!. هل تفهم ذلك من تنادي بـ(المساواة) بين الرجل والمرأة؟!، بالتأكيد لا...!، وكيف تفهم وهي تنادي بما هو ضد الطبيعة وضد المنطق وضد العقل وضد الشرع؟!.
إن المرأة العربية التي (يسوؤها تنكر الرجال لأفضالها) إن حدث، ينبغي أن تكون أكثر امتعاضاً من تنكرها هي ذاتها لطبيعتها، ولا بد أن تنأى بنفسها عن طروحات وأفكار ومقولات بنات جنسها، خاصة اللائي يتحولن بوعي أو بغير وعي إلى «دبة تقتل صاحبها»؛ إذ لا يمكن أن يكون نبل الهدف مبرراً للوسائل الرخيصة، فما بالنا إذا لم يكن الهدف نبيلاً أيضاً؟!.
وهنا أذكّر لمياء بأن الشباب العربي الذي - ضربت به المثل - حينما خرج في ثورة للتغيير والقضاء على الفساد، لم تنجح ثورته هذه إلاّ في تونس ومصر، لأن الوسيلة التي عبر عنها الشعار الحقيقي (سلمية)، كانت نبيلة كالغاية تماماً، ولم تكن صراخاً فجاً كعويل امرأة هذا الزمن، أما في ليبيا واليمن وسوريا فلم تكن الوسيلة بنبل الغاية، ومن ثم لا ينبغي أن تغيب عنا الحقائق ونضرب الأمثال هكذا بلا تروٍّ أو قراءة صحيحة، كما لا ينبغي أن نصير عبيداً للغرب فنطالب بمساواة المرأة بالرجل، هكذا باستخدام اللفظة (مساواة) على إطلاقها!.
إن (الخشونة) التي تحدثت بها لمياء في مقالها ولا أقول (فأرها) تأدباً ودليلاً على انفكاك عقدتي!، تجسد بكل وضوح كيف تفكر المرأة (الحديثة)، وهي تبحث عن حقوقها الضائعة والمستلبة والمغتصبة...!، صراخ.. صراخ.. صراخ.. كأننا أمام مولود لتوه...!، تحاول أن تضع يدك على فكرة، فلا فكرة...، تحاول أن تستنير ولو بضوء رقيق كرقة المرأة المفترضة، فلا بين السطور سوى فئران تهرول بغير هدى...، (كوكتيل) عجيب من سمك ولبن وتمر هندي، لا يشفع للعقل استساغته حتى لو كان معتقاً في جامعة أريزونا!.
ثم إن البراءة التي تطل من سؤال لمياء: (كيف ستثبت المرأة أنها كائن مفكر ومخترع ومحرك؟ بالتعليم وقد تعلمت؟ بالعمل وقد التحقت بالأعمال المحدودة المتاحة. أن تكتب مثلاً؟ مؤلفاتها تملأ المكتبات في جميع المجالات العلمية والفكرية والأدبية. أن تعيد اختراع الذرة مثلاً، أم تصمم مركبة فضائية؟)، أقول: تلك البراءة تجعلنا نتساءل ببراءة أيضاً: إذا كانت المرأة قد تعلمت، والتحقت بالأعمال حتى وإن كانت (محدودة) - برأي لمياء – ومؤلفاتها تملأ المكتبات في جميع المجالات، فأي عوائق تحول بين المرأة وتحقيق ذاتها إذن؟!، وأي حقوق للمرأة تبحثين عنها إذن؟، أهي قيادة السيارة؟.. أم قيادة الرجل؟!.
آفة أن يقف تفكير المرأة عند حقها في قيادة السيارة، أو أن تكون عضواً بمجلس إدارة نادٍ أدبي، أو ما شاكل ذلك؛ إذ هي طموحات لا تتناسب وحجم الصراخ والعويل، تماماً كما يتمخض الجبل ثم لا يلد - على ضخامته - إلاّ فأراً...!.
ثم أليس حرياً بالمرأة أن تعلو صرخاتها من تلك النظرة الدونية التي تلتهمها، ومن ذلك اللسان الذي يَخِزُها بـ(أعزك الله) أو (أكرمك الله) بعد ذكرها مباشرة؟!. أليس حرياً بها أن تزلزل قلوب المجتمع بالبكاء والعويل على نسبة الطلاق التي بلغت، وفق آخر إحصائية رسمية لوزارة العدل السعودية 21% خلال عام واحد، أي إن هناك 2000 حالة طلاق تتم في الشهر، فيما تقع 69 حالة طلاق في اليوم، و3 حالات كل ساعة، بحسب الدراسة التي قامت بها الأكاديمية السعودية الدكتورة سلوى الخطيب حول «الطلاق والتغير الاجتماعي في المجتمع السعودي»، والتي أكدت أن السعودية تتصدر دول الخليج في ارتفاع نسب الطلاق، كما أكدت ارتفاع معدلات الطلاق في جميع المجتمعات العربية، واحتلت مصر المركز الأول، تليها الأردن ثم السعودية فالإمارات فالكويت ثم البحرين وقطر؟!.
مثل هذه الحالات – بغض النظر عن المتسبب فيها (الرجل أم المرأة أم كليهما، وإن كنت أحمل المرأة النصيب الأكبر) - تؤكد أنه ليس مستغرباً على المرأة أن تصف من يحاول وضعها أمام المرآة، لترى نفسها جيداً بأنه (عاق) أو (سيء الأدب)، وكأنها تستلذ بـ(العمى النفسي)، أو رؤية نفسها – إن كانت ترى – عصية على النقد!.
وتسألني لمياء أيضاً: (كيف تقترح أن تتحرك المرأة في ظل كل هذه القيود وضياع الحقوق لتعمل على إثبات كونها كائناً؟ كيف، والممنوعات تحجم قدراتها وتقلصها وتقزمها، ستتمكن من إنجاز أي شيء يذكر؟)، والحقيقة أنني لا أدري إن كانت لمياء أدركت أن سؤالها هذا يعني اعترافاً ضمنياً بأن المرأة لم تنجز (أي شيء يذكر)، وأن هذا الاعتراف يتعارض مع سؤالها السابق الذي تحاول من خلاله إيهامنا بأن المرأة فعلت كل شيء، وأنها لم يعد ينقصها – على سبيل السخرية ممن لا يرى ذلك، وهو أنا بالتحديد – سوى: (أن تعيد اختراع الذرة مثلاً، أم تصمم مركبة فضائية)؟!.
أقول ختاماً: بالتأكيد لا أحد يطلب من المرأة أن تعيد اختراع الذرة، مع أنها أسهمت (لعلمك يا لمياء) في هذا المجال حينما قامت عالمة الذرة المصرية سميرة موسى (3 مارس 1917 - 5 أغسطس 1952) بتأسيس «هيئة الطاقة الذرية» في مصر بعد ثلاثة أشهر فقط من إعلان الدولة الإسرائيلية عام 1948، ولا أحد يطلب من المرأة أن تصمم مركبة فضائية، مع أن العالمة السورية البروفيسور شادية رفاعي حبال، وهي أستاذة كرسي فيزياء الفضاء في جامعة ويلز ببريطانيا، أسهمت بالفعل في تصميم مركبة فضائية، ولكن كيف يطلب أحد من امرأة هذا العصر في بلادنا العربية أن تعيد اختراع الذرة، أو أن تصمم مركبة فضائية، وهي تبدد كل طاقاتها إما في (مشاوير) شراء الماكياج، أو الصراخ والعويل لكي تقود سيارة، أو تجلس على أحد مقاعد مجلس إدارة النادي الأدبي؟!.
أليس (الفأر) هنا وصفاً دقيقاً لنتاج مثل هذا المخاض يا لمياء؟!.
-
+
* شاعر مصري - أبها