يبدو أن من يغادرُ الوسطَ الثقافي يجد مُستراحَه حين ينأى غير آسفٍ ودون أن يشتاق عندما يرى العاشقين.
يقفل الباب حضوراً وكتابةً ومشاركة وإن بقي خيطُ القراءة المتقطعة يصل الفصل ويجدد الذكرى ويرسم المقارنة لكنه لا يستعيدُ روابط الحنين، ولولا وهجُ ضوءٍ خافت يغري بعضاً وظلالُ وظيفة تدر دخلا لكان الهاجرون والمهاجرون رقماً أكبر.
كذا نفتقد المتميزين حين يغيبون عن مشهدٍ كانوا متسيديه، وكذا ينأى كبارٌ يحتاج إليهم الصغار، وكذا نرى صاحبنا وقد عزف عن الساحة؛ فلا يكاد حتى يُرى في المنتديات العامة.
يسعى عارفو دوره لتكريمه عبر حوارات وملفات فيبدو راغباً عنها وكأنه مكتف بما قدمه في المستويين البحثي والإبداعي ولو أنه قليلٌ كما حجم التوقع من رائد عايش مراحل التأسيس.
كان رقماً مهماً عند بدايات اليمامة ورفيق درب لعلامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر، وهو كذلك من أوائل رؤساء تحرير جريدة الرياض، بل هو الأول رسمياً، ومؤلفاً معنياً بشعراء اليمامة وابن المقرب العيوني، عدا كتاباته النثرية التي جمعها في كتابين، ولديه المزيد مما تختزنه ملفاته الممثلة سيرة حياته الممتدة ثقافيا واجتماعيا، إضافة لتجربته في العمل الحكومي التنفيذي والشوروي.
هادئ حتى لا تكاد تعرفُ بوجوده؛ فليس ممن يتصدر المجالس ويسيطر على إدارتها؛ فإذا حكى بدا رزينًا واثقاً ممتلئاً، وقد نستشف خلف صمته ألماً من واقعٍ أو وقائع، ومن الذي لا يأسى لأمة غادرها التاريخ قبل قرون وما الظن أنه سيحفل بها قرونا قادمة؟!
الأستاذ عمران بن محمد العمران (الرياض 1933م-) من أوائل خريجي كلية اللغة العربية متبوعةً بشهادة تخصصية من معهد الدراسات العربية في القاهرة، وتنقل في عمله الرسمي بين مجلس الوزراء ووزارة العمل والأشغال العامة وشركة الكهرباء ومصلحة المياه التي تقاعد منها بعد بضعة عشر عاما مديراً عاماً لها ثم صار عضواً في مجلس الشورى.
يبقى الوسط الثقافي طارداً للكثيرين في فترة الاكتهال والشيخوخة؛ فهل هو الصراع الأزلي بين القديم والجديد؟ أم هي أحاسيس عدم الجدوى تساكنُ الكبارَ حين يلتفتون فلا يجدون معطياتٍ تثمنُ أدوارهم وتبرر بقاءهم؟
ولو عملنا استفتاءاتٍ داخل الأندية الأدبية بين شداة الثقافة والإبداع عمن يكون هذا أو ذلك من المتوارين فلن نفاجأ إن وجدناهم يتمتمون ويهمهمون ثم يبتسمون علامةَ الحيرة.
المسؤولية مشتركة بين الشيوخ والشباب؛ فالفكرُ لا يعترف بعمر تقاعدي، وامتداد الآجال مظنة تميز العمل ونضجِ العامل، ومن المفارقات أن سن الأربعين يمثل مرتكزَ البدايات الحقيقية لأرقام كثيرة ممن تركوا آثارهم وتأثيرهم.
لا نغادر أستاذَنا «أبا محمد» الذي التقى به صاحبُكم في بداياته الصحفية عبر صفحة «قراءة في مكتبة- 1985 م» - ففي تجربته ما يصلح عناوين على النأي الحاد؛ فهل نلتمسُ له تبريراً؟ أم هي خطى يرتسم بها كمن سبقه ومن يلحقه؟ وهل نأمل في وجود مشروعات مخطوطة لمؤسس بناء وشاهد مرحلة ورجل إدارة وبيان وبنان؟
لن يكفينا «الأمل الظامئ وهوامش أدبية وشؤون وآراء» التي أعقب آخرَها غيابٌ طويلٌ، مثلما كان الفاصل بين» أعلام الشعر اليمامي وابن المقرب «عشرة أعوام،وبين هذا وديوان الشعر بضعة عشر عاما.
ليتنا نعلم أو ليتنا نفهم، أو ربما ليتنا نلتئم في ندواتٍ تخصصية لندرس أسرار الهروب الكبير.
الريادة لا تُعوض.
-
+
Ibrturkia@gmail.com