عند قراءتي لخبر وفاة المربي الكبير الأستاذ إبراهيم بن محمد الحجي يوم الأحد 8-4-1432هـ الموافق 13-3-2011م، وبعد الترحم عليه تذكرت شيئاً من سيرته العطرة، وهو يرويها ضمن تسجيل التاريخ الشفهي للمملكة عند استضافته بمكتبة الملك فهد الوطنية قبل نحو عشر سنوات بعد تقاعده وفقده للبصر، إذ كان يعمل في آخر خدمته التعليمية الطويلة وكيلاً لوزارة المعارف للشؤون الثقافية التي استمرت من (1375 - حتى تقاعده حوالي عام 1415هـ).
ولزم منزله فرغم فقده بصره، إلا أنه تابع ما ينشر أو يذاع من برامج تعليمية كانت تقترح، فكان يتصل ويكتب للوزير ما يراه مناسباً مؤيداً ومعترضاً على بعض التفاصيل.
تذكرت -رغم هرم الذاكرة وشيوختها وفقدها كثيراً من المعلومات- كان من أوائل من استجاب لدعوة المكتبة سجلنا معه ذكرياته، وعلى مدى ثلاث زيارات للمكتبة ثم تسجيل تسع ساعات معه بدءاً من طفولته ويتمه بالمجمعة وعمله صبياً لدى حداد ثم بناء -أستاذ بناء بالطين- ثم عمله فراشاً في أول مدرسة نظامية تفتح بالمجمعة، وكان يقدم القهوة والشاي للمدرسين في فصولهم.
يذكر أن أحد المدرسين في الصف الأول الابتدائي قال له وهو يناوله فنجان الشاي.. إذا فرغ الإبريق فتعال لتستمع للدرس.. وهكذا بدأ يتابع ما يتيسر من دروس وعندما حان موعد الامتحان طلب منه المدرس الجلوس مع الطلاب للاختبار، وهكذا نجح وواصل، إضافة لعمله فراشاً بالمدرسة، وبعد اجتيازه الامتحان بنجاح من المدرسة الرحمانية بمكة المكرمة واصل الدراسة بالمعهد العلمي السعودي ثم في كلية الشريعة واللغة بمكة المكرمة.
عاد للرياض ليعمل معتمداً للمعارف خلفاً للرائد حمد الجاسر، وذلك قبل إنشاء وزارة المعارف، تدرج في عمله بالوزارة حتى تقاعده.
يذكر.. وسأكتفي بهذه العجالة بمناسبتين مما يذكره، وهو كثير، كان يرأس لجان التعاقد في البلاد العربية من الأردن والعراق ولبنان ومصر والسودان وكان يذهب لكل عاصمة، ويعلن عن شروط التعاقد، ويترك أحد الموظفين أو بعضهم في السفارة السعودية لاستقبال الطلبات وفرزها.. فيعود بعد أن زار بقية العواصم للمشاركة في مقابلات من تنطبق عليهم الشروط.. وهكذا في كل بلد.. هذا الكلام قبل ما يقرب من خمس وأربعين عاماً، أي في أواخر الثمانينات الهجرية/ الستينات الميلادية.. قبل انتهاء إجراءاتهم الإدارية يفاجؤون بالداعية الإسلامي المعروف محمد محمود الصواف يأتي كمشرف أو مراقب أو.. ليلغي عدداً كبيراً ممن تم قبولهم، ويضع بدلاً منهم أسماء لا يعرفونها، ولم تجر مقابلتهم من معارفه أو ممن يزكيهم من شاكلته.. مما جعله يعود محتجاً على هذا التدخل في عمله بلا مبرر.. ومن هنا بدأ بخطف التعليم.
المحاولة الثانية يذكر أنه أتى لسمو الأمير خالد بن فهد بن خالد الذي كان وكيلاً مساعداً لشؤون التعليم ومشرفاً على البعثات فوجد لديه معاملة كبيرة لا يقل عدد صفحاتها عن 200 ورقة فقال له خذ هذه العمالة ولك حرية إنهائها بما تراه.. وإذا بها مبنية على ما سبق أن قرره مجلس الوزراء بطلب من وزير الصناعة والكهرباء غازي القصيبي -رحمه الله- وهي تنص على ما عرضه على مجلس الوزراء بتشجيع الصناعة الوطنية بشراء المقاعد الدراسية من الصناعة المحلية وعدم استيراد ما يماثلها.. وقد بقيت المعاملة تدور وبها الكثير من الملاحظات التي تشجع على الاستيراد وتضع الكثير من الملاحظات السلبية على الصناعة المحلية.. فقال: فطلبت منه أن يطلق يدي لحل القضية فوافق. فشكلت لجنة ثلاثية وطلبت من أحد العمال أن يصعد بالمقعد لأعلى مكان بالوزارة وهو الدور الثالث ويقذفه للأسفل لمعرفة مدى قوته وتماسكه.. وهكذا وقع الكرسي على قوائمه ولم يتأثر، فوقعت اللجنة على المحضر، وهكذا انتهت القضية لصالح الصناعات الوطنية.
قلت له وأنا أرافقه لمنزله -رحمه الله-: أليست ابنتك زكية هي التي تقدم الأخبار، وأحياناً التعليق عليها بعد الظهر في الإذاعة، فقال: بلى، فقلت لماذا تكتفي باسمها واسمك فقط، فلا يعرفها إلا القلة إنها ابنتك ومن بعدها أصبحت اسمع اسمها كاملاً: زكية إبراهيم الحجي.
زرته قبل أربع سنوات برفقة زميله ورفيق دربه - في أول التشكيل لوزارة المعارف عند انتقالها من مكة المكرمة إلى الرياض نهاية السبعينيات الهجرية -أي قبل نصف قرن- الأستاذ محمد العبد الرحمن الفريح، وقد كاد أو على الأصح لم يعرفنا ومنذ دخلنا عليه، وحتى خرجنا -بين صلاتي المغرب والعشاء- وهو يتحدث عن ذكرياته مع لجان التعاقد في الخارج، وبين أذان وإقامة صلاة العشاء سأل: هل أذن لصلاة العشاء وعند إجابته بنعم قام وخرج من المجلس فخرجنا -إذ كان شبه فاقد للذاكرة. وكأنه يشكو أو يعاني مرض (ألزهايمر) -رحمه الله-.
وهذه ترجمة حياته كما وردت في موسوعة التعليم في المملكة ج4: من مواليد المجمعة، تلقى تعليمه الأولى في مدرسة أحمد الصانع ودرس القرآن الكريم وحصل على الشهادة الابتدائية في مدرسة الرحمانية بمكة المكرمة، والتحق بالمعهد السعودي بمكة وتخرج فيه، وبعده التحق بكليتي الشريعة واللغة العربية وتخرج فيهما سنة 1372هـ.
عمل معلماً بمدرسة بالمجمعة من سنة 1356هـ، وبمدرسة أنجال الأمير عبدالله بن عبدالرحمن عامي 60-1361هـ، وقاضياً بمحكمة الطائف سنة 1372هـ، ومعلماً في ثانوية الرياض 1374هـ، فمعتمداً للتعليم في نجد سنة 1375هـ، فمديراً للامتحانات فمديراً عاماً، فوكيلاً للوزارة للشؤون الثقافية، وممثلاً للوزارة في مجالس جامعات الملك سعود: والملك عبدالعزيز، والإمام محمد بن سعود، والملك فيصل، وعضواً في مجلس جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وعضواً لمجلس التربية لدول الخليج العربي، واشترك في الكثير من المؤتمرات العربية والإقليمية والعالمية، وفي مؤتمرات اليونسكو.
رحم الله أبا محمد وأسكنه فسيح جناته، وعزائي لأهله ولمحبيه.
Abo-yarob.kashami@hotmail.com