- أولا:
لم نكد نفرح بفوز الروائية السيدة «رجاء عالم» بجائزة البوكر العربية، وكنت أنوي أن أخصص موضوع هذا الأسبوع للاحتفاء بفوزها ودلالات هذا الفوز على مستقبل المثقفة السعودية، حتى صُدمنا بتصريحات المسمى «وئام وهاب» وهو نائب درزي سابق وحالياً صاحب حزب سياسي ومن الموالين لحزب الله، وقد عُرف عنه ممن يشاهد مقابلاته بامتهان «سب وشتم» المعارضين له.
كما عُرف عنه كرهه الشديد للسعودية حُكاماً وشعباً، وهذا الكره الشيطاني ما لبث أن دفعه في إحدى المقابلات من تحريض الشعب السعودي على ولاة الأمر والسخرية من إقامة الحدود وختمها بوصفه للمرأة السعودية بأنها مثل «كيس الزبالة» إشارة إلى حجابها الأسود! وعندما اعتذر عما قاله وأنها هفوة لسان؛ قارن بين المرأة السعودية والمرأة الإيرانية، وبأن المرأة الإيرانية رغم أنها محجبة إلا أن لها دورا في المجتمع الإيراني خلاف المرأة السعودية التي لا دور لها ومهضومة الحقوق.
وإذا كان قوله الأول يدل على سفهه، فاعتذاره يدل على جهله العظيم بفعالية المرأة السعودية.
ولا أدري كيف قرر أن المرأة السعودية منزوعة الفاعلية والحقوق في المجتمع السعودي، إلا إذا كان قياسه لمفهوم الفاعلية هو أن تسير المرأة في الشوارع عارية تمتهن العُهر والإباحية وتتجرد من الأخلاقيات كما تتجرد من ملابسها في الملاهي الليلية!
وما هي المعايير الموضوعية التي اعتمد عليها ليقرر أن المرأة الإيرانية فاعلة في مجتمعها خلاف المرأة السعودية في المجتمع السعودي؟ فهل يملك إحصائية أو دراسات توثيقية تشير وتدلل وتثبت الهذيان الذي صرح به؟ أم أن معياره الوحيد هو حقده على السعودية ومولاته لإيران؟
ومن قال إن المرأة الإيرانية ليست منزوعة الفاعلية والحقوق؟
إن القمع الطاغي الذي يمارسه النظام الإيراني على المرأة في إيران هو الذي يمنع المرأة الإيرانية من التصريح بما تعانيه من قمع عليها وفرض فاعلية مخصوصة تقوم بها.
تذهب الناشطة الإيرانية «جانيت أفاري» إلى أن تنظيم «أخوات الباسيج» وهو الجناح النسائي لمنظمة الباسيج قد لعب دوراً أساسياً في قمع الحركة النسائية التي ترافقت مع الاحتجاجات الأخيرة في إيران.
وأنها تقمع وتعتقل أخريات من التيار العلماني أو الإصلاحي، كما أنهن لعبن دوراً بارزاً في عمليات القمع التي ترافقت مع انتخابات رئاسية في فترات مثل رفسنجاني وأحمدي نجاد.
ويتناول كتابها «السياسة الجنسية في إيران الحديثة» الصادر عن جامعة كامبردج التمييز ضد المرأة عبر المراحل المختلفة في إيران.
وتذهب السيدة «جانيت أفاري» إلى أن انضمام الإيرانيات إلى «الباسيج» ليس من أجل التخلص من الفقر والحصول على المال، رغم أنه فعلياً يحظى كل عضو في هذه الحركة براتب وعناية صحية جيدة ومنزل. بل «السبب تاريخي وهو رغبة الفتيات الإيرانيات في الهروب من سلطة الأب والانضمام لهذه المنظمات، حيث يمكنها الخروج من المنزل وتلقي التعليم، والانضمام إلى الباسيج كان فرصة للتمرد على سلطة الأب والعائلة».
وحيث «يمكّنها من لقاء الرجال من نفس الحركة، ويعطيها حرية الاختيار في الزواج».
وقد شاهد العالم كله المظاهرة التي قامت في ولاية أريزونا الأمريكية ضد قمع النساء في إيران. وهناك ناشطات إيرانيات مثل «نسيم سارابندي» و»فاطمة دهدشتي» «رونق سفر زادة» و»هناء عبدي» قدن حملة من أجل المساواة، وهي مبادرة لحقوق المرأة الإيرانية. وترمي الحملة التي أُطلقت في العام 2006 إلى جمع مليون توقيع من المواطنين الإيرانيين على عريضة تطالب بوضع حد للتمييز القانوني ضد النساء في إيران. ونشر الوعي بين النساء الإيرانيات عن حقوقهن والحاجة إلى إجراء إصلاح قانوني.
وتتعرض النساء في إيران للتمييز بعيد المدى بموجب القانون. ويُحرمن من المساواة في الحقوق في الزواج والطلاق والوصاية على الأطفال والميراث. وشهادة المرأة في المحكمة تساوي نصف شهادة الرجل فقط. ويمكن إرغام فتاة يقل عمرها عن 13 عاماً على الزواج من رجل أكبر منها سناً بكثير إذا سمح والدها بذلك.
ومن الشهادات الصادقة على وضع المرأة الإيرانية ما قالته السيدة «شرين عبادي» الحائزة على جائزة نوبل للسلام: «نحن أمة تزخر بالطاقات الأنثوية. ودولة أنعم الله عليها بالنساء المكافحات اللاتي يتحرقن لتقديم إسهام، لكنها مكبلة بتحيز قانوني وتعصب اجتماعي. وتستحق النساء في إيران دعمنا الآن أكثر من أي وقت مضى».
إذن ليست المرأة الإيرانية هي المرأة النموذج للفاعلية الاجتماعية.
وقد «أهابت منظمة العفو الدولية بالحكومة الإيرانية وجوب اتخاذ خطوات عاجلة من أجل:
- إلغاء القوانين القائمة على التمييز.
- الإفراج عن المدافعين عن حقوق المرأة المسجونين والكف عن اعتقال الذين يمارسون بصورة سلمية حقوقهم في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع ومضايقتهم».
هذه هي إيران التي يتغني بها «السفيه وئام وهاب» وبثورتها وديمقراطيتها وحرية الرأي فيها!
لكن الجاهل لا يُعاتب إنما يقذف الحجر على وجهه. في حين أن المرأة السعودية أكثر شجاعة وحرية رأي منها فهي تصرّح بمشاكلها الاجتماعية والسياسية عبر القنوات، والمشاكل التي تعيشها المرأة السعودية هي ذات المشاكل التي تعيشها المرأة العربية اللبنانية والسورية والمصرية وغيرهن من الجنسيات العربية.
كما أن سبب مشاكل المرأة السعودية ليس الحجاب أو الخصوصية المحلية، على العكس فالحجاب والخصوصية المحلية علامتا تمييز للمرأة السعودية، لا سبباً للتخلف.
بل سبب المشكلة هو ذاته في كل المجتمعات العربية وهي سيطرة العقلية والخطاب الذكوري على المجتمعات العربية في السعودية مثل لبنان مثل مصر وهي شكوى مشتركة وموحدة عند المرأة العربية فيما يتعلق بحيوية فاعليتها المتكاملة في المجتمعات العربية.
وإذا كان يعيب على السعودية إقامة الحدود فلماذا لا ينظر إلى إيران أكثر دول العالم في «تنفيذ عقوبة الإعدام». فلماذا لا ينظر إلى حال المرأة اللبنانية فهن من يعشن مع أبنائهن في «مكبات النفايات» وهناك من «يبعن أجسادهن» لمحاربة فقرهن، فمن كان بيته من «زجاج» لا يلقي على غيره بالحصى!
طبعا أنا هنا لا أقصد الإساءة للمرأة اللبنانية فمنهن المناضلات والأديبات والمكافحات في الحياة والفنانات اللائي نحترمهن وفي كافة المجالات. وأقول من اختارت طريق «اللا حجاب» بدلاً من الحجاب فهذه حرية شخصية ولكل إنسان ظروفه التي تجبره على خصوصية الاختيار فنحن لا نقوم بمهمة الرب في الأرض، وليس لنا حق التقويم ولا نفرض على أحد طريقة حياته وطريقة شكله بما أنه لا يؤذي حرية الآخرين ولا نملي عليه مواقفه نحو أنظمته السياسية والأخلاقية.
فلكل مجتمع خصوصيته الاجتماعية والدينية على مستوى الشكل والمضمون لا يحق لأي إنسان أجنبي أن يتدخل لنقد تلك الخصوصية أو المطالبة بتغييرها.
ويعيش في المجتمع السعودي كثير من الجاليات العربية والأجنبية ولم يفرض المجتمع السعودي على نساء الجاليات أي خصوصية شكلية ولم يوجه إليهن أحد اتهام بالفجور والفسق لمجرد مخالفتهن للخصوصية الشكلية.
ولو أن رجل دين سعودي أو مثقف أو مثقفة أو رجل سياسي سعوديون قالوا ما قاله «السفيه وئام وهاب» على المرأة غير المتحجبة أو غير المسلمة لقامت وسائل العالم العربية والعالمية ولم تقعد ولاتهمت المجتمع السعودي بالتطرف والإرهاب والتخلف والرجعية وممارسة التمييز العنصري واضطهاد المرأة. و»حسبنا الله ونعم الوكيل».
- ثانياً: ما استغربته في هذه الواقعة هو صمت السفارة السعودية في بيروت وكأن في فمها ماء فلم تشجب على الأقل ما قاله ذلك السفيه أو تطالبه بالاعتذار والأمر كذلك بالنسبة للجالية السعودية التي طالما تخرج في مظاهرات لأتفه الأسباب في بيروت وعندما تتعرض المرأة السعودية للإهانة لا نسمع لهم صوتا.!!
- ثالثاً: ما قاله السفيه «وئام وهاب عن المرأة السعودية» ينبهنا إلى مسألة معينة ومهمة وهي؛ من المسئول عن تصحيح «صورة المرأة السعودية» في الإعلام العربي والعالمية؟
من المسئول عن ترويج إنجازات المرأة السعودية العربية العالمية؟ وكيف نعالج الصورة النمطية للمرأة السعودية في الذهنية العربية والعالمية؟
وتلك الأسئلة تحولنا إلى دور الأدب والثقافة والإعلام السعودي في تصحيح صورة المرأة السعودية ومعالجة النمطية التي صبغت صورتها ونشر إنجازاتها.
الأدب الذي كرّس صورة المرأة السعودية المقهورة والمغلوبة على أمرها، لا نريد طبعا تزييف الصورة فالمرأة السعودية عندها مشاكل تتشابه مع مثيلاتها العربيات لكن نريد من الأدب الموضوعية والتوازن في تقديم المرأة بكل نماذجها المرأة التي وقفت في وجه المتشددين في معرض الرياض ولم يرجف لها جفن ولم ترتعش خوفا المرأة التي كانت ترد على المتشددين الكلمة بالكلمة مما يعني أن المرأة السعودية خرجت عن الطوق وكسرت حاجز الخوف نريد من كتاب الأدب لدينا أن يقدموا هذا النموذج أيضا ولا يكتفوا بنماذج مفتعلة حينا ومبالغة حينا آخر وفضائحية حينا ثالثا.
نريد من الأدب والثقافة والإعلام السعودي أن يقدم مشاكل المرأة بجوار إنجازاتها وأن يقدم المرأة المقهورة بجوار المرأة العالمة.
فعندما تتعدد النماذج المتضادة في المجتمع الواحد فهذا يعني أن المشكلة هي مشكلة ظروف خاصة للحالة الإنسانية وليس إشكالية تتعلق بالعقل الاجتماعي. وكذلك السفارات السعودية في العالم فيجب ألا يكون دورها الثقافي فقط محصور في «اليوم الوطني للسعودية» أو الأيام الثقافية بل يجب أن يكون دورها طوال العام من خلال إعداد برامج ثقافية وإعلامية تدعم الصورة التنموية للمجتمع السعودي والمرأة السعودية المستمرة وأن تصدر كل سنة مجلة تضم أهم الإنجازات العلمية والثقافية والفكرية للسعوديين والسعوديات ويتم توزيعها مجانا في المؤسسات الحكومية والأهلية في كل دولة تتواجد فيها سفارة سعودية ليطلع الآخر على تطور المجتمع السعودي ونهضوية المرأة السعودية وإنجازاتها والشهادات العلمية والفكرية في كل سنة.
وصدق شيخنا المتنبي:
إذا أتتك مذمتي من ناقص
فهي الشهادة لي بأني كامل
من لي بفهم أُهيل عصر يدعي
أن يحسب الهندي فيهم باقل
sehama71@gmail.com
جدة