في تصفحي للطبعة الثانية، المزيدة، الصادرة حديثاً عن النادي الأدبي الثقافي بجدة من كتاب (عبد العزيز السبيل، قراءة في مرحلة - من إعداد حسن النعمي) استوقفتني مقالة قصيرة للأديبة بدرية البشر، كانت منشورة في صحيفة الشرق الأوسط ثم باتت ضمن مواد الكتاب، بعنوان (المثقف المسؤول).
وتوضح بدرية البشر أن عنوان مقالتها (المثقف المسؤول) إنما هو عنوان كلام منشور للدكتور السبيل في صحيفة الاقتصادية قبل توليه منصب المسؤولية في وزارة الثقافة والإعلام، وكان يقول: (المثقف المسؤول يجب ألا يكون على وفاق مع السلطة، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن يكون معارضاً للسلطة، حينما أقول ليس على وفاق، بسبب أن طموح المثقف أكبر من طموح السياسي، فكلما تحقق جزءٌ من هذا الطموح فهو ينادي بطموح أكبر، وهذا سرّ عدم التوافق التام. وعندما يكون هناك اتفاق مشترك بين السياسي والمثقف فإن الخاسر الحقيقي هو المجتمع، ولن تتحقق بالتالي ثقافة حقيقية للمجتمع).
ولأن كلمة الدكتور السبيل تلك كانت على درجة عظيمة من الأهمية، فقد وضعها معد الكتاب كمدخل يتصدر الصفحة الأولى، غير أن كلمة بدرية البشر كانت تحاور تلك الكلمة وتقارب بين ما ترمي إليه حين كان قائلها خارج السلطة الوظيفية وما سيكون حاله مع رأيه هذا حين تسنم منصب الوكيل العام للشؤون الثقافية.
تقول بدرية البشر، في مقالتها المكتوبة عام 2005، حين جلس السبيّل على كرسيّ المسؤول: (اليوم ينتقل عبد العزيز السبيل من موقع المثقف إلى موقف المسؤول، من موقع المثقف غير المتوافق، كما يصف في حديثه السابق، إلى موقع المسؤول صاحب السلطة في وزارة معنية بإنتاج الثقافة، فأيّ الموقفين سيعبّر عنه..؟)
وها قد مرّت السنون ورأينا ولمسنا كم كان هذا الرجل وهو في المنصب على انسجام والتزام وتصالح مع كل تصريحاته وآرائه التي آمن بها قبل أن يصل إلى ذلك المنصب، وربما حين تراءى له أن ثمة ما يعكّر ذلك الانسجام والالتزام والتصالح يلوح من بعيد، قرر أن ينتصر لشخصية المثقف فقدم استقالته متخلياً عن شخصية المسؤول.
وقد كان في ذلك الإنجاز، ثم القرار، أبلغ جواب عن سؤال بدرية البشر في مقالتها: (ماذا سيطرح عبد العزيز السبيل حين يكون مسؤولاً مثقفاً؟، كلنا في انتظار نتائج مسابقة من سيربح: المثقف أم المسؤول؟).
وتبقى الأسئلة التي استوقفتني في مقالة بدرية البشر، فهي ممتدة ولا تزال قائمة إذا نظرنا إليها على شكل دوائر أو حلقات، تقول: (من سيكسب من؟ هل السلطة هي من تكسب المثقف أم أن المثقف هو من يكسب السلطة؟ ومن هو الخاسر الحقيقي في كلتا الحالتين؟).
إلى هنا يأتي التصوّر بأن الدائرة لم تقفل بعد، وإن كانت قد أقفلت فثمة دوائر أخرى متوالية ستأخذ مداها في الانفتاح والامتداد ومن ثم الدوران، فعبد العزيز السبيّل نجح بتفوّق ولم يكتفِ بربح الجولة مع السلطة، بوصفه مثقفاً، بل هو ربح الجولة مع الثقافة أيضاً بوصفه مسؤولاً.. وقد جعل السلطة والثقافة رابحتين باختيار الأولى له وباختياره للثانية، ثم باختيار موقف التوقف عند حد معين، سبق أن وصفته أنه بمثابة (محطة) سيتحرك منها إلى دائرة أخرى تجمع المثقف بالسلطة في جولة أخرى (وهذا تصوّر ذاتيّ محضٌ خالٍ من أيّ معلومات أو شائعات)!
ختاماً أقول: شكراً للأديب الدكتور حسن النعمي لإعداد هذا الكتاب المهم، وشكراً للنادي الأدبي الثقافي بجدة لإصداره الطبعة الثانية المزيدة والمستوعبة لما لم تحتوِ الطبعة الأولى، من هذا العمل القيّم، فهو (قراءة في مرحلة) لا تعني الدكتور عبد العزيز السبيل وحده، بل تعني الثقافة العربية السعودية عموماً.
ffnff69@hotmail.com
الرياض