بدأ عبد العزيز محيي الدين خوجة قول الشعر من قديم، وإني لأذكر حينما أصدر أول مجموعة شعرية له بعنوان حنانيك، وذلك في منتصف السبعينيات الميلادية من القرن العشرين. وقتها قد تسلم وظيفة وكيل وزارة الإعلام للشئون الإعلامية، وكان وزيرها آنذاك الدكتور محمد عبده يماني. وكانت وزارة الإعلام ينطلق نشاطها ونشاط المسئولين فيها من مدينة جدة التي عرفت بالحركة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، فكانت جدة ملتقى ليس لوسائل الإعلام من إذاعة وتلفاز وصحافة فحسب بل كانت كذلك ملتقى لسفارات وزارة الخارجية السعودية أيضاً.
فازدهرت الحركة الأدبية والحركة الثقافية والحركة العلمية عامة كانت أو أكاديمية، حيث ألهمت الشعراء بقول الشعر، ألم يقل حمزة شحاتة يخاطب هذه المدينة العريقة:
النهى بين شاطئيك غريق
والهوى حالمٌ فيك ما يفيق
وقد انطلق الشاعر عبد العزيز خوجة في آفاق الشعر طوال الثمانينيات والتسعينيات حتى هل القرن الواحد والعشرون ولم يزل. والمصادفة الجيدة أن الخوجة في عمله الإعلامي الأول ثم بعد أن أصبح سفيراً لبلاده في الخارج وهو يلقي الشعر وينشده ويقوله، فكان الشاعر سابقاً أديباً وفي عمله الثاني شاعراً مثقفاً. أما الآن فهو وزير للثقافة والإعلام ونهايك بهذا الشرف الرفيع.
من هنا ازدادت أعداد قصائده وبحور شعره حتى أصبحت له أعمال شعرية بأكملها مثل (عذاب البوح) و(جئت بعد الغرق) و(حلم الفراشة) و(الصهيل الحزين) و(من خبايا الوجد) و(بذرة المعنى) و(إلى من أهواه) و(الحب النبوي) و(أسفار الرؤيا) باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية وأخيراً ديوان عبد العزيز خوجة.
ولعل من أروع ما قاله وهو سفيرٌ لبلاده بالمغرب قوله وهو يودعها:
عنا أم هي دعوة القدر
أم نفحة الأشواق للخطر
قودي مصيري للهوى سبلا
وأحبها في دربك العطر
إن العيون الحور تقتلني
أحلى الردى من دعجة الحور
وهنا نقف قليلاً وداعاً يا مغرب من ديوانه مائة قصيدة وقصيدة للقمر.
خذني إلى الفردوس أسكنه
في غفلة العذال والحذر
وتلفتت نحوي ومن فمها
أنشودة للناي والوتر
وتلعثمت ماذا تريد بنا
وتكلم القلبان بالنظر
إنها آفاق من الحب والرضا والشوق والحور.. هذه الآفاق الحية هي رؤية شاعر وهو يودع المغرب رؤيته نحو الجمال والطبيعة والثقافة والتراث والأدب والعلم والجامع فغدت قصيدة شعر مثل ديوان، فما بالك لو أرسل لكل مدينة قصيدة مثل «وداعاً أيها المغرب». وفي أبيات قليلة يرصد لقاء ليلى ويصفه بالروعة:
أقبلت ليلى علينا مرحبا
أن ليلى أنجزتنا المطلبا
سكنت روع فؤادي
بلقاء نلت فيه الأربا
قلت يا ليلى أحقا ما أرى
قبلتني ثم مالت طربا
ثم قالت في دلال ضُمني
قد لقينا في الفراق التعبا
لم يكن عهدي بها كاذبة
إن من يهوى يعاف الكذب
واستحالت في ذراعي شعلة
واستحلنا في ثوانٍ لهبا
أنها روعة اللقاء يا سيدي. ولكننا عندما نعود إلى ديوانه المسمى «إلى من أهواه نلتقي» بقصيدة بدر مكناس يقول فيها الشاعر عبد العزيز خوجة:
قال لك البصار: إنك ملهم
كذب: فإنك ملهمي وحبيبي
قالوا الحقيقة بعضها لا كلها
لم يخبروك بلوعتي ونحيبي
يا بدر مكناس الذي أسنا لنا
من أفق (أكدال) فحن وجيدي
رضي الفؤاد بأن يكون الفئ عند رياضه، وهيامه وهروبي
لم أدري إلا والحنان يحيطني
وملامح وسنى تذيب خطوبي
أتلمس التحنان من لفتاته
وتذوب أنفاسي بنفحة طيب
عشنا وعاش الحب في هلاته
ورشفت من خمر المودة كوب
هذه كتلك سوى أنها قبل الوداع.
وفي أبيات بعنوان حنانيك يقول الشاعر خوجة:
حبيبي.. حنانيك.. إني أحس
نذير الفراق يهدد أمني
وأشعر أن دبيب الفنا
يحاول قتلي ببعدك عني
فأصرخ في الليل كالمستجير
وآتي إليك لتقتل ضني
فأغفو على راحتيك كطفل
صغيرٍ بقلبٍ برئ يغني
حنانيك حبي.. حنانيك عمري
حنانيك.. أفديك بالقلتين!
وأشعر بالشوق يخطو إليك
لألقي عليك ولو نظرتين
لأعرف أني سعيد بيومي
وأن صباحي ضيا بسمتين
وأن غرامي نورٌ جديدٌ
أراه تلألأ في الخافقين
إننا نضع هنا مستويات من أشعار شاعرنا ولكن ماذا يقول النقاد بخصوص ذلك يقول الشاعر محمد الفيتوري ناقداً الخوجة إن الشاعر عبد العزيز محيي الدين خوجة ولربما انضم إليه عددٌ ضئيل من مناصرية من شعراء اليوم الذين هم اليوم أشبه بتلك الكائنات البشرية الملائكية التي شاهدناها في أحلامنا أ.ه.
ماذا يقصد الناقد الفيتوري هنا ومن يقصد من الشعراء حينما نقدرهم تأتي أسماؤهم أمثال محمد مهدي الجواهري عمر أبو ريشة حسن القرشي غازي القصيبي إبراهيم ناجي أحمد زكي أبو شادي علي باكثير محمد محمود الزبيري علال الفاسي وعبدالله كنون. هؤلاء هم الشعراء الذين يجوسون خلال آثارهم الملائكية.
ونريد أن نضيف بيتاً من الشعر في حديقة النقد هذه لشعر عبد العزيز محيي الدين خوجة، ألا وهو قول الشاعر اللبناني جورج جرداق يقول:
يحمل عبد العزيز خوجة نفسه إلى القارئ، من دون غطاء ليقول له إن الشعر وحده يعيد إلى الأرض طهارتها الأولى. التوصيف نفسه لشاعرنا الخوجة والمنقود نفسه أو المقول عنه الفيتوري وضع شاعرنا في آفاق ملائكية بينما الجرداق وضعه في طهارة الأرض. كلاهما يقصدان معنى موحداً ويطرقان مقصداً واحداً هو عبد العزيز خوجة الإنسان والشاعر الكوني. كما ألمح في نقد ناقدٍ ثالث هو الدكتور إدريس بلمليح القائل إننا بصدد شاعر مندمج في الكون يتفاعل معه ثم لا يميز بين عناصره فتصير ذاته جزءاً منسجماً معه ومكوناً من مكوناته أ.ه.
إذاً فالشاعر الإنساني عبد العزيز خوجة يطيب له الشعر والأدب والثقافة والعلم والإعلام، هذه الحشود هي رموز نعني بها آفاق الإنسانية عند عبد العزيز خوجة شاعراً وعالماً ومثقفاً وموظفاً وزيراً يقود في طريقه المجتمع الثقافي والإعلامي نحو آفاق الخير والحق والجمال، هذه القيم التي تمتع شاعرنا بها في مكة وبطحائها وحرمها وزمزمها، هذه الأرض المقدس ولد ونشأ في حماها عبد العزيز خوجة فغرف من هذه البحور غرفة شاعر وسقيا عالم فانطلق في الحياة كسائر أهل مكة وأبنائها الصيد الميامين، وهنا نذكر قصائده الطويلة في أسفار الرؤيا المحمدية النبوية التي انطلقت من غار حراء في أم القرى ليكون محمدٌ بشيراً ونذيراً للعالمين.
وكما يقول بعض أدباء القرن الرابع الهجري العرب وهو يختم سفره بقوله: ولله في خلقه شئون.