عرفناه معنيًا بالأرقام، وللرقم دلالةٌ ساكنةٌ تتحرك حين يلائمها رقم آخر فيزيدان وينقصان، ويضيفان ويفيضان، ويبقيان جامدين؛ فلا تتوقع للمشتغل مع الفاصلة والنقطة والعلامة إلا أن يعتمر نظارته ويزوي حاجبه وينسى ما حوله كيلا يزل فتجيء قسمتُه ضيزى.
في مبتدأ عمله بمعهد الإدارة كان صاحبكم سكرتيرًا للبرامج الإعدادية «المخصصة للدارسين المتفرغين من حملة الثانوية والجامعة، وكان الأستاذ يشغل موقعًا متقدمًا في الوظيفة الرسمية؛ مديرًا عامًا لديوان المراقبة العامة ثم وكيلاً مساعدًا له (1978-1980م)، وأستاذًا «غير متفرغ» لمادة المحاسبة الحكومية في البرامج المالية بالمعهد، وكثيرًا ما مر على مكتبنا المسؤول عن الترتيب والمتابعة والمكافآت وتقديم الخدمات التي يحتاج إليها أعضاء هيئة التدريس.
كان الارتباطُ بينه وبين الرقم ماثلاً في الجدية إن لم يكن التجهم؛ فما زادت علاقتُهما على «مساء الخير» حيث كانت محاضراته محصورة في فترة ما بعد العصر، ثم غادر صاحبكم مبتعثًا، وبعد عودته رآه من بُعد في ندوات المعهد وبعض برامجه العليا الموجهة للقيادات الإدارية، ثم لم يلتقِ به بعد ذلك حتى اليوم.
فاجأه أستاذه وصديقه الدكتور عبد الرحمن الشبيلي حين أهداه عددًا من مؤلفات الأستاذ الأدبية؛ أيكون هو هو؟ وأين هذا من ذلك المتورط بالرقم والناتج؟ وهل يكون لاستراحته في مجلس الشورى ثلاث دوراتٍ دورٌ في تغيير توجهاته أم أنها الفطرة والتربة والثقافة المؤسسة في مراحل مبكرة انقاد لها أو انقادت له بعدما وجدت منفذًا خارج لغة «الطرح والضرب»؟
أيكون هو الذي لم يره مبتسمًا يؤلف عن الفكاهة والغزل ويختار بين الأشعار والأخبار؛ فيقدم أربعة كتب «أدبية « تنضم إلى كتابين محاسبيين وكتابٍ إداري؛ فينتصر الأديب فيه على المتخصص حامل الماجستير من الولايات المتحدة.
لتكن كتبًا «تجميعية» غير أنها تشير إلى ذائقة واهتمامٍ بالشعر والتأريخ، ومقدرة أسلوبية جميلة تتصدى للمعاني بمفردات وترتيب وانسيابية، وقد عزا بعضَ الفضل لزميله في مجلس الشورى الدكتور صالح المالك -رحمه الله-، وعد ذلك هديةً منه، وورد ذلك في الطبعة الثانية لكتابه (جوهر الإدارة: رؤية لمفهوم الإدارة وصناعة المديرين).
الأستاذ محمد عبد الله الشريف (وينتسب للأشراف المنتقلين للحوطة) من رعيل الإداريين الأول الذين خدموا قرابة نصف قرن (1959-2006م) متدرجًا من «مدقق حسابات في ديوان المراقبة العامة حتى صار الرجل الثالثَ فيه، ووكيلاً لوزارة المالية للشؤون المالية والحسابات اثني عشر عامًا، ومثلها عضوًا في مجلس الشورى، ورئيس مجالس إدارات عدد من الشركات المساهمة كالعقارية والسعودية المصرية للتعمير، وعضوًا في عدد آخر من مجالس إدارات المؤسسات العامة والمساهمة كالموانئ والبنك الزراعي والنقل الجماعي والتأمينات وسواها.
له من المؤلفات في المال والإدارة: حسابات الحكومة في السعودية، والرقابة المالية في السعودية، وجوهر الإدارة، وفي الأدب: الخزانة في أدب الفكاهة، وقطوف الأدب في أخبار ومآثر العرب، والمنتقى في شعر الغزل، والمختار من إبداعات الأشعار، ولعل عناوينها تشي بما يقرؤه ويوثقه فلم يشأ الاستئثار به لنفسه، ولكتب المختارات قيمتها في تاريخ الأدب العربي قديمه وحديثه.
الأستاذ الشريف اشترك مع الدكتور الشبيلي وآخرين في كتابة تجربتهم بمجلس الشورى؛ وتحديدًا من أمضوا المدة المقررة حدَّا أعلى للعضوية، وكتب عنه «أبو طلال» مقالاً في الجزيرة قبل أحد عشر عامًا عنوانه: الشريف: محاسبًا وأديبًا.
التعدد موهبة.
Ibrturkia@gmail.com