ما أن يذكراسم معالي الأستاذ الدكتور أحمد بن محمد الضبيب في مجلس من المجالس حتى ينصرف الذهن رأسا إلى العلم، والأدب، والجامعة، وما يتصل بهذه الأمور من علاقات وأواصر.فأبو عمرو، متعه الله بوافر الصحة والسعادة، رجل عشق العلم منذ الصغر؛ فقد رباه والده على حب العلم، وعلى الجد والمثابرة، وربَطَه بالكتب منذ أن كان في عمرٍ ينصرف فيه عادة من هو في مثل سنه عن الكتب إلى أمور هي أكثر إغراء وأخف على النفس.لقد كانت لوالده، رحمه الله، مكتبة منزلية تضم عددا طيبا من المصادر الشرعية والأدبية، نشَّأَ ابنه على التردد عليها، والنهل من معينها. ومن هنا نشأ الدكتور الضبيب عاشقا للتراث مهتما بدراسته ورصده.
وتتبع السيرة الذاتية والأدبية للأستاذ الدكتور أحمد بن محمد الضبيب أمر يطول شرحه لو حاولت الوقوف عند تفاصيلها، ولهذا فإنني سأكتفي بإشارات موجزة لعلها أن تكون مناسبة لقراء «الثقافية».
لقد التحق أحمد بن محمد الضبيب في مطلع شبابه بالمعهد العلمي السعودي بالمدينة المنورة، وفي هذا المعهد بدأت تتفتح مواهبه، ففيه بدأ في قرض الشعر والمساهمة به في الحفلات التي كان يقيمها المعهد العلمي بالمدينة المنورة. فقد ورد في العدد 9690 من جريدة البلاد، الصادر في يوم الأحد 13 جمادى الآخرة من عام 1411، تحت عنوان:(البلاد أيام زمان: حفلة المعهد العلمي والمدرسة الثانوية بالمدينة تكريما لسعادة وكيل وزارة المعارف) ما يلي:
« في الساعة الثانية عشرة والنصف من بعد مغرب يوم الإثنين الموافق 16-5-74 13 أقام طلاب المدرسة الثانوية والمعهد العلمي مشتركين حفلا أدبيا رائعا لسعادة فضيلة وكيل وزارة المعارف الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، وقد دُعي إليه جميع المدرسين، ورؤساء الدوائر، وأعيان أهل المدينة، وافتُتِح الحفل بتلاوة آي من الذكر الحكيم رتلها الطالب بكر أبو العلا، ثم تقدم الأستاذ عبد العزيز الربيع مفتتحا الحفل، ...ووقف بعده الطالب أسامة عبد الرحمن مُقدِّما قصيدة، ثم أزيح الستار عن الفصل الأول من تمثيلية «بئر زمزم»، وبعدها قدم الطالب أحمد الضبيب قصيدة...وبعدها تقدم الطالب عبد الرحمن الأنصاري بكلمة...».
وبعد تخرج الدكتور الضبيب من المعهد العلمي التحق بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ومن هناك أخذ يبعث بمقالات عن «أبي الطيب المتنبي» إلى صحيفة «الرائد» التي كان يرأس تحريرها الأستاذ الأديب عبد الفتاح أبو مدين. وبعد عودته من البعثة إلى مصر عُيِّنَ معيدا بكلية الآداب بجامعة الملك سعود في عام 1380.ثم ابتعثته الجامعة بعد ذلك إلى بريطانيا لإكمال دراسته العليا، وقد حصل على الدكتوراه من جامعة ليدز في عام 1386-1966م، وكان موضوع رسالته: « دراسة نقدية للأمثال العربية القديمة في كتاب مجمع الأمثال للميداني»، وبعد عودته من البعثة إلى بريطانيا عمل مدرسا بقسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب بجامعة الملك سعود، ثم تدرج في السلم الأكاديمي حتى حصل على رتبة الأستاذية في عام 1398 .كما أنه قد تدرج في السلم الإداري من قائم بأعمال رئيس قسم اللغة العربية وآدابها، إلى رئيس لهذا القسم لمدة خمس سنوات، ثم عيِّن أول عميد لشؤون المكتبات لمدة ست سنوات، ثم عيِّن وكيلا للجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي، واستمر في هذا المنصب إلى أن أسندت إليه إدارة جامعة الملك سعود وذلك خلال الفترة من 1410 - 1416.وبعد انتهاء فترة إدارته للجامعة عُيِّنَ عضوا في مجلس الشورى، وبعد انتهاء فترة عمله في مجلس الشورى عاد، بدءا من الفصل الدراسي الأول لهذا العام 1430-1431، إلى تقديم بعض المحاضرات لطلاب الدراسات العليا في قسم اللغة العربية وآدابها.ولا شك أن زملاءه وطلابه في القسم في غاية السعادة بهذه العودة المباركة.
وفي أثناء هذه المسيرة الجامعية العلمية قام الدكتور الضبيب بأعمال لها صفة الريادة والأوَّلية:
- فقد أسس في عام 1386، بعد حصوله على الدكتوراه مباشرة، جمعية اللهحات والتراث الشعبي بالجامعة، وهي أول جمعية بالمملكة، وكان أول رئيس لها.
- أسس في عام 1387 مُتحَف التراث الشعبي بكلية الآداب، وظل ينميه ويشرف عليه فترة طويلة.
- أهلته شهرته الأكاديمية والأدبية لأن يصبح أول أمين عام لجائزة الملك فيصل العالمية منذ إنشائها في عام 1397.وقد ظل يشغل هذا المنصب إلى أن عُين وكيلا لجامعة الملك سعود للدراسات العليا البحث العلمي.
كما أهلته منزلته العلمية لأن يصبح عضوا في عدد من المجالس واللجان نذكر من بينها:
- عضو المجلس الأعلى للآثار.
- عضو المجلس الأعلى للإعلام.
- عضو أكاديمية المملكة المغربية منذ إنشائها في عام 1980.
- عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
- عضم مجمع اللغة العربية بدمشق
- عضو مؤازر بالمجمع العلمي العراقي ببغداد.
- عضو المجلس الاستشاري لمركز الدراسات العربية في جامعة جورج تاون بواشنطن.
- عضومجلس أمناء مركز الشيخ حمد الجاسر الثقافي.
- رئيس اللجنة العلمية بمركزالشيخ حمد الجاسر الثقافي.
- رئيس تحرير مجلة» العرب» التي تصدرعن مركز حمد الجاسر الثقافي.
كما أن الدكتور الضبيب يحمل ميدالية الاستحقاق من الدرجة الأولى للملكة العربية السعودية.
ولا شك أن الأعمال الإدارية الجامعية قد أخذت الكثير من وقت الدكتور الضبيب، ولم تُبْق له منه ما كان يطمح إليه لكي يشبع نهمه في القراءة والتاليف. وبالرغم من الأعمال الكثيرة التي تولاها فإنه كان ينتهز سويعات الراحة القليلة فيخلو بنفسه في مكتبته العامرة لكي يبحث ويؤلف حتى تمكن من أن يخرج للناس كتبا ودراسات علمية رائدة في مجالاتها.ومن بين تلك الكتب:
1-كتاب الأمثال لأبي فيد مؤرج بن عمرو السدوسي، حققه الدكتور الضبيب تحقيقا علميا أصيلا، وصدَّره بدراسة علمية متميزة.
2- ترجم إلى العربية كتاب الدكتور جونستون «دراسات في لهجات شرقي الجزيرة العربية، وقد نشرته جامعة الملك سعود.
3-آثار الشيخ محمد بن عبد الوهاب، سجل ببليوجرافي لما نشر من مؤلفات، وقد نشر هذا الكتاب في عام 1397.
4-على مرافئ التراث:أبحاث ودراسات نقدية، نشر عام 1401.
5- الأعمش الظريف:أخباره ونوادره، نشرته دار الرفاعي عام 1401.
6- بواكير الطباعة في بلاد الحرمين الشريفين.مطبوعات مكتبة الملك فهد عام 1408.
7- أوراق رياضية:منشور في سلسلة كتاب الرياض، العدد(5) عام 1414.
8- اللغة العربية في عصر العولمة، نشرته مكتبة العبيكان
9- حقق «كتاب الأمثال الصادرة عن بيوت الشعر» لأبي عبد الله حمزة بن الحسن الأصفهاني، نشرته دارالمدى الإسلامي ببيروت عام 2009.
وهناك كتب أخرى يقوم الدكتور الضبيب بإعدادها للنشر من بينها:
-إخراج نسخة محققة تحقيقا علميا دقيقا لكتاب مجمع الأمثال للميداني.
-حركة إحياء التراث في المملكة العربية السعودية، وقد نشرت بعض مواد هذا الكتاب منجمة في مجلة الدارة وفي غيرها.
ومعالي الأستاذ الدكتورأحمد الضبيب رجل مهيب الطلعة، وافر الرصانة، يحترم نفسه كثيرا، ويحلها المنزلة التي تستحقها. وهذه الخصال قد تدفع من لا يعرفه عن قرب إلى الظن بأنه متعال أو لا يحب الاختلاط بالناس. وقد كنت سابقا ممن كاد أن يظن به هذا الظن .لقد كونت هذا الانطباع الخاطئ عنه في أول لقاء عابر جمعني به، وكان ذلك في العام 1386/1966 م، وهو العام الذي عاد فيه من بعثته إلى بريطانيا. كنت في ذلك الوقت طالبا في السنة الأخيرة في كلية اللغة العربية بالرياض، وكان بعض طلاب تلك الكلية يترددون بعد العصر على مكتبة شهيرة في حي دخنة اسمها «المكتبة السعودية»، وقد احتجْت في أحد الأيام إلى استعارة كتاب من هذه المكتبة فقيل لي: إنه يتعين عليَّ، لسبب لا أذكره الآن، أن آخذ موافقة مدير المكتبة على الإعارة فصعدت إلى مكتبه في الدور العلوي من المكتبة وهناك وجدت المدير، وكنت أعرفه من قبل، وكان الدكتور الضبيب جالسا عنده فعرَّفني المديرعلى الدكتورأحمد.وقد فرحت برؤيته كثيرا لأنني وزملائي كنا نسمع من أستاذنا الدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا، رحمه الله، أطرافا من الحديث عن الدكاترة السعوديين الذين عادوا حديثا من بريطانيا، وكان ذِكْرُ أسمائهم يحلو لنا كثيرا فكنا أحيانا نفتعل الأسئلة لكي نجرأستاذنا الباشا إلى مزيد من الحديث عنهم على الرغم من أن المعلومات التي عنده عنهم كانت قليلة، وذلك بسبب حداثة تخرجهم.
والصورة التي انطبعت في ذهني عن الدكتورالضبيب بعد ذلك اللقاء العابر في مكتب مدير المكتبة السعودية، ثم بعد ذلك بقليل، عندما رأيته مرة أخرى وهو يغادر المكتبة قبيل أذان المغرب- وكانت في يده حقيبة بنية اللون على ما أظن- أنه كان رجلا طويل القامة، ضاربا إلى الحمرة، يمشي بثقة، وأناة مشية تُذَكِرفي بعض مظاهرها بمشية الأسد الذي خلد ذِكْره أبو الطيب المتنبي في قصيدته التي خاطب بها بدر بن عمار.
وقد علمت لاحقا من مدير المكتبة السعودية أن الدكتور الضبيب زار المكتبة من أجل الاطلاع على ما فيها من مخطوطات.
بقيت تلك الصورة عالقة في ذهني لفترة طويلة، ثم شاءت إرادة الله أن نصبح زملاء في قسم اللغة العربية بكلية الآداب، ثم جيرانا في السكن الجامعي، ثم أصدقاء . ولقد عرفت معالي الأستاذ الدكتورأحمد الضبيب عن قرب فوجدت فيه العالم الجليل، والمحقق الثبت، والأديب الغيورعلى لغته وأمته .لا يهادن في الحق، عَفٌ اللسان، بعيد عن التكبروالتصنع، صادق الود، حافظ لحقوق إخوانه.
حفظك الله يا أبا عمرو، ووهبك الصحة وطول العمر.