من عبدالله.. م. أ. جامعة الملك سعود
- الرياض
يقول: هل الشنفري جاهلي؟
ولماذا عُدتْ قصيدته الألفية..؟
الشنفري جاهلي.. لا أعلم أحداً قال خلاف ذلك ممن نظرتُ في كلامه عنه، و(الشنفري) لعله لقب لهذا الشاعر، والشنفري من حيثُ المدلول اللغوي: ضخمامة شفتي البعير.
وأصل هذا الشاعر من: الأزد ونسبته إلى الأزد أنه: الشنفري ابن الأوس بن الغوث بن ثبت بن زيد، هكذا وقفتُ عليه.
وهو من (العدائية) المعدودين بجانب السليك بن السلكة/ وابن براق/ وتأبط شراً.
وهؤلاء كانوا قبل البعثة الشريفة، لكني لم أقف عند من تكلم عنه (كالمبرد) على اسم له أو تحديد زمن ظهر فيه، ولستُ بزاعم أنَّه قبل الإسلام بقليل أو كثير لكن / قصيدته / وأيم الحق دالة على عمق اللغة وسبر غوار التجربة والحكمة والمثل، وفيها مفردات جيدة قد لا يدركها كثير من شعراء هذا الحين، ولا أخالهم يُدركون ذلك، ولهذا جاء شعرهم خفيف الطرح ومفرداته بين بين، وله من المعنى ما لا يحتاج إلى قوة فهم أو سعة مدرك، وما لا يحتاج إلى طويل تأمُّل، ولهذا لا جديد ولا تجديد في كثير من الشعر في هذا الحين العصيب. وأُراني تتمة لإجابة هذا السؤال الكريم أن أُبين أنَّ قصيدة الشنفري سُميت بذلك لتفردها بما لم يكن في غيرها. وإن كان هناك بعض القصائد الجيدة تُساويها كـ(لامية) طرفة بن العبد، (ولامية) النابغة الذبياني، إلا أنَّ (لامية العرب) هذه وحسب كوني شاعراً وبحسب تذوقي فإن فيها من الجرس والعمق.. والتجربة والحكمة والمثل والتلاعب بالألفاظ ما قد أقول: ما قد يقال عنها غيرها، لكن السائل الكريم قال في سؤاله (الألفية) ولا أعلم ولا علم لي أن أحداً قال بهذا لكنها: (اللامية) هكذا،.. قال الشنفري:
أقيموا بني أمي صدور مطيكم..
فإني إلى قوم سواكم لأميلُ
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى
وفيها لمن خاف القلى(1) متعزلُ
لعمرك ما في الأرض ضيق على أمرئ
سرى راغباً أو راهباً وهو يعقلُ
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن
بأعجلهم إذا أجشع القوم أعجلُ
وما ذاك إلا بسطة عن تفضل(2)
عليهم وكان الأفضل المتفضلُ
ولستُ بعلٍّ(3) شُّرهُ دون خيره
ألفَّ إذا ما رُعته أهتاج(4) أعزل
ولستُ بمحيار الظلام إذا انتحتْ
هُدى الهوجل(5) العسيف يهماء هوجلُ
هذا ما أردته من اختيار من بين قرابة: (ثلاثين بيتاً) وما تركت أكثر خشية الطول، لكن دلالة القليل تُغني عن ذكر الكثير لمعرفة نباهة وقدرة وموهبة العقول طراً.
والقصيدة مدونة في غالب كتب الأدب وتراجم الشعراء الأقدمين، وليت القراء الأعزاء ينظرونها بواسع من تأنٍ ومكنة وسبر غور لدلالتها على حال: العقل والنجابة والبعد عن استغلال غيرك لك لا سيما في الهجاء أو الثناء، فهذا استغفال واستغلال في آن، وإذا كان الشعر موهبة فذة، وفحولة وتمام رجولة في سلوك سبيل المجد في التحرر من عبودية الغير والتذلل له كذلك قال العلماءُ على تطاول العهود، فإنه هنا كما كان هناك يعتبر تاريخاً لعقلية صاحبه وعزته أو خنوعه، ورفعته أو سقوطه، وحدبه على إخوته أو قطيعة رحمه. بقي بعد هذا القول أن: (لامية العرب) هذه منحولة، كذلك قال بعض الدارسين (للأدب العربي) لكنني لا أيمل إلى هذا فإن استشفاف: اللغة ومعجم المفردات وتلازم السليقة ووصف الحال في ثنايا الأبيات بجانب الدراسات النفسية لحالة الشاعر التي استشفيت منها حالته حساً ومعنى وتنزيل كونه من: (العدائين) والذين لقوا معانات نفسية مختلفة ومعانات كثيرة بيئية ومادية وأسرية أجزم من خلال ذلك أنَّها له ولستُ بمائل إلى غير ذلك.
***
معجم المفردات
(1) القلي: بالألف المقصورة: الكره.. ونحوه.
(2) أجشع: الجشع: الحرص، وهو وصف مطلق.
(3) (عل) بعل: العل: الرجل كبير السن صغير البدن
(4) أهتاج: إهتاج أسرع جرياً في السير مع خفة ويوصف بها: الخائف.. والأحمق العجول.
(5) هوجل: طال،
والهوجل: يراد به الرجل الطويل القامة النحيف، وعادة من هذا وصفه وصفته أنه: حقود مع حمق لا يدركه ويدركه عنه الآخرون.
وقد يراد (بهذا) الأرعن الصلبة التي لا يرتاح مرتادها لوعورتها وقبح صفتها.
- الرياض