أولاً الدلالة المتحدث عنها هنا تتجاوز الدلالة اللفظية، وتتخطى حدود العلامة اللغوية، كما أشار بول ريكور في «رمزية الشر»؛ حيث قام بتعريف الرمز بصورة دقيقة جداً بالمقابل من خلال بنيته الدلالية في انطوائه على معنى مزدوج.
وبدا له أن في داخل الرمز شيئاً لا - دلالياً بقدر ما فيه من شيء دلالي.
وكان أفضل افتراض في مقاربة الرمز من خلال بنية المعنى المزدوج، وهي بنية ليست دلالية خالصة.
وتأتي ثنائية المعنى الصريح والمعنى الضمني المستوردة من قضية التمييز بين اللغة الإدراكية واللغة الانفعالية بتقابل آخر بين دلالة المطابقة ودلالة الإيحاء.
وبهذا أصبحت دلالة المطابقة وحدها إدراكية، وبالتالي ذات قيمة دلالية.
بينما بقيت دلالة الإيحاء خارج علم الدلالة، لأنها تتكون من نسيج من النداءات الانفعالية، التي تفتقر إلى القيمة الإدراكية.
وعند ما تشترك مفردتان في الدلالة الإيحائية، فإن قضية الاستعارة ومن ورائها الرمز تتكون لهذا العنصر في معناه الفاعل.
فعند ما يتحدث شكسبير عن الزمن شحاذاً: «رباه، إن الزمن ليضع خرجه على ظهره يدخر فيه صدقات طالبي العفو والسماح، وحشاً كبير الحجم للجحود.
تلك النفايات أعمال طيبة انصرمت، تتبدد حالما تصنع، وتنسى حالما تُفعل».
فهو يعلمنا أن نرى في الزمن وكأنه شحاذ.
وعند ما يغيب الجزء الجامع بين الصنفين المتباعدين في فكر المجتمع الذي يستخدم تلك الاستعارة، تصبح تلك العلاقة مستبطنة في اللا وعي، وتتحول العلامة إلى رمز ثقافي.
وتصطدم دراسة الرموز بمعضلتين تجعلان من الدنو المباشر من بنية المعنى المزدوج أمراً صعباً.
الأولى أن الرموز تنتمي إلى حقول بحث متعددة جداً ومتشعبة أيضاً.
فالتحليل النفسي، على سبيل المثال، يهتم بالأحلام وأعراض أخرى وموضوعات ثقافية ذات مساس بها من حيث دلالتها على صراعات نفسية عميقة.
ومن ناحية أخرى، تفهم الشعرية، إذا أخذنا هذا المصطلح بمعناه الواسع، الرموز على أنها الصور الفنية الأثيرة في قصيدة معينة، أو تلك الصور التي تهيمن على أعمال مؤلف ما، أو مدرسة أدبية ما، أو بأنها الأشكال والمجازات المتكررة التي تتعرف فيها ثقافة بأسرها على ذاتها، أو صور النماذج البدائية الكبرى التي تتغنى بها الإنسانية، بصرف النظر عما بينها من فوارق ثقافية.
وعند هذه النقطة نكون قريبين من الاستعمال الثالث لكلمة «رمز» في تاريخ الأديان.
يتعرف مرسيا إلياد، مثلاً، على كيانات عينية مثل الأشجار والمتاهات والسلالم والجبال بوصفها رموزاً بقدر ما تمثل رموزاً للزمان والمكان، أو الهرب والتعالي، وتتخطى ذاتها مشيرة إلى شيء آخر بالكامل، يكشف عن ذاته فيها.
هكذا تتشظى مشكلة الرموز في ميادين بحث متعددة وتنقسم فيما بينها حتى لتكاد تضيع في تناسلها.
المعضلة الثانية مع الرموز هي أن مفهوم «الرمز» يجمع بين بعدين، بل يمكننا القول بين عالمين للخطاب؛ أحدهما لغوي والآخر من مرتبة غير لغوية.
ومما يشهد على الطبيعة اللغوية للرموز أن بالإمكان فعلاً بناء علم دلالة للرموز، أي نظرية تفسر بنيتها من خلال المعنى أو المغزى.
وهكذا نستطيع أن نتحدث عن رموز مزدوجة المعنى، أو رموز ذات معانٍ أوائل أو ثوانٍ.
غير أن البعد اللا - لغوي واضح وضوح البعد اللغوي.
وكما تشير الأمثلة التي نستعرضها أدناه، يحيل العنصر اللغوي في الرمز دائماً على شيء آخر.
من هنا يربط التحليل النفسي رموزه بصراعات نفسية خفية، في حين يشير الناقد الأدبي إلى شيء مثل النظرة إلى العالم، أو الرغبة بتحويل اللغة كلها إلى أدب، ويرى مؤرخ الدين في الرموز وسطاً لتجليات «المقدس».
- الرياض