المشهور عند النحويين القدماء أنّ الجملة المعترضة لا محل لها من الإعراب؛ لأنها لم تقع موقعًا تقعه المفردات. وأما د. مصطفى علي الجوزو فجاء بقاعدة لغوية جديدة رأى أن مجلة العربيّ (الكويتية) تتفرد بها، حيث نشر في ص66 من العدد638 الصادر في صفر عام 1433هـ مقالاً ذكر فيه أنّ الجملة المعترضة تقوم مقام الصفة والاسم، وضرب أمثلة لهذا منها جملة (قال تعالى)، إذ يرى أن لفظ الجلالة حذف فصارت جملة (تعالى) فاعلاً قياسًا على حذف الاسم الذي يحل نعته محله في الإعراب، ومن الأمثلة قولنا (قال صلى الله عليه وسلم) حيث حلت في نظره جملة (صلى الله عليه وسلم) محل الفاعل، وهو يرى أن القدماء غفلوا عن ذلك. وهذا أمر مستبعد كل الاستبعاد، وما ذهب إليه غير صحيح في نظري، فالجملة المعترضة ليست كالنعت؛ إذ النعت والمنعوت مركب واحد بمنزلة الاسم المفرد(1) ، وهذا لا يعني أن الجملة المعترضة لا علاقة لها بما قبلها، إذ هي كما رأينا في المثالين مربوطة بما قبلها لفظًا أو معنى؛ ولكنها ليست عنصرًا من عناصر الجملة، بل هي مقحمة فاصلة بين عناصر الجملة لأغراض إبلاغية وبلاغية، وربطها بما قبلها هو المسوغ لحذف الفاعل، ولكن هذا الحذف إنما نال لفظ الفاعل، وأما معناه فمراد يدل عليه السياق، وقد بالغ جمهور النحويين سوى الكسائي والسهيلي وابن مضاء في منعهم حذف فاعل الفعل المبني للمعلوم؛ لأن التراكيب والاستعمالات تعاند مذهبهم هذا، وعدّ طاهر سليمان حمودة ثمانية مواضع تركيبية يطّرد فيها حذف الفاعل(2) .
جاء مثال حذف الفاعل في قراءة الأعمش لقوله تعالى { وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} (145) سورة آل عمران، قال ابن عطية «وقرأ جمهور الناس (نؤته ونؤته وسنجزي). كلها بنون العظمة، وقرأ الأعمش بالياء في الثلاثة، وذلك على حذف الفاعل لدلالة الكلام عليه»(3) . وخالفه أبوحيان، قال «وهو وهمٌ، وصوابه: على إضمار الفاعل، والضمير عائد على الله»(4) . والإضمار الذي قال به أبو حيان هو عندي حذف اللفظ وإرادة المعنى، ولا أراه يختلف عن قول ابن عطية إلا بالتعبير عن المسألة؛ إذ نفهم من قوله «لدلالة الكلام عليه» أنه أراد أن معنى الفاعل يفهم من السياق. وقد ناقش أمثلة متعددة لحذف الفاعل زميلنا الدكتور خالد بسندي في بحثه (حذف الفاعل واستتاره بين التنظير والواقع الاستعمالي)، وكذلك فعل طالب محمد إسماعيل في كتابه (حذف الفاعل بين المعيارية والتطبيق في القرآن الكريم).
ننتهي إلى أن الفاعل في مثل «قال تعالى»، «قال صلى الله عليه وسلم»، «قال رحمه الله»، «قال رضي الله عنه»، «قال عليه السلام» محذوف لفظه مراد معناه الذي تدل عليه الجملة المعترضة التي لا محل لها من الإعراب، ولو جاز أن تحل هذه الجملة محل الفاعل لحلت محل المفعول به؛ ولكنا لا نقول: «سيبويه تلميذ الخليل وقد تابع، رحمه الله، في كثير من أقواله».
(1) علي المعيوف، المركب الاسمي في كتاب سيبويه، ص123.
(2) طاهر سليمان حمودة، ظاهرة الحذف في الدرس اللغوي، ص 137.
(3) ابن عطية، المحرر الوجيز، 2: 375.
(4) ابن حيان، تفسير البحر المحيط، 3: 76.
الرياض