من الترف أن تسأل السعوديين عن زواجهم إن كانوا يفضلون العقل أو العاطفة، ثمة أسئلة عالمية كلاسيكية عن علاقة الرجل بالمرأة يصعب أن تجد ترجمتها المحلية، ذلك لأننا في ثقافتنا الاجتماعية نعيش عزلة واضحة على مستوى الثقافة الكونية، ففكرة الزواج عن حب ليست مجرد فكرة مارقة ويعشعش فيها الحرام بالنسبة لنا، لكنها في الحقيقة ليست فكرة أصلاً، إنها ليست من ضمن المفكر فيه.
يبدو الزواج كمحطة مشتركة بين الرجل والمرأة هو المرحلة التي تفسر أحلامها قبل مشاكلها، تفسر طبيعة الحياة التي يعيشها الاثنان، فالفتاة التي تحلم بعرسها، لا تتعلق عيناها بالثوب الأبيض وحفلة الفرح فقط، بل تطيل النظر في جواز سفرها الذي لم يصدر لها إلا بميعاد زواجها، الفتاة في مجتمعنا كثيراً ما تجد حلمها في الزواج هو حلم الخروج من البيت والدخول في العالم، بينما تبقى فكرة الفتى عن الزواج هي دخول البيت، وتكوين عنوان ثابت للإياب من العالم، الفتاة تحلم بالزواج لأنها تولد في انتظاره، بينما الفتى يقرر الزواج لأنه يعرف أن القرار بانتظاره، العلاقة بينهما تبدأ من شروق الفتاة ومغرب الفتى، هي تنتظر شمسه لتشرق على الدنيا، وهو ينتظر قمرها ليغرب عن صخب العالم الذي انتهى من الدوران حوله.
يبدو الزواج في حقيقته هو منطقة تقاطع لا التقاء، هي تريد أن تخرج للعالم الذي لم يسمح لها أن تدخله باسم عذريتها، وهو يريد أن يدخل البيت الذي خرج منه أياماً طويلة باسم رجولته، هي تريد أن يمسك يدها لتكتشف العالم الخارجي الذي تجهله، أو العالم الذي تعرف كل ما فيه دون أن تملك حق البحث عن مفتاحه، وهو يريد أن تمسك يده ليجلس إليها في البيت الذي يضمها، فهو يعرف أنها البيت وهي تعرف أنه العالم.
إنهما يلتقيان على عتبة الباب، داخلٌ هو وخارجةٌ هي، في بيوتنا تتزوج الفتاة وقلبها يخبئ أحلامها الكثيرة عن العالم، ويتزوج الفتى وقلبه متعب من فوضى مشاعره، سيتزوج الفتى الرجل في الأربعين من عمره لأنه أراد أخيراً استقرار البيت والمرأة الساكنة، وتتزوج الفتاة والمرأة الثلاثينية لأن طارقاً على بابها أخيراً قد وصل.
المفارقات التي تعيشها البيوت بين الرجل والمرأة تبدأ أولاً في الطفل الذي يبلغ فيحتل مكانه خارج البيت، والطفلة التي تعلن دورتها القمرية الأولى مكانها في داخل هذا البيت خارج ذاك العالم، سيصير هو أحق بالشارع منها وهي أحق بصالة البيت، ستدافع العائلة عن حق ابنتها أمام التلفاز وحق ابنها في جرس الباب، إذن الصوت أيضاً هو مفارقة أخرى بين الأنوثة والذكورة في بيوتنا.
الفتاة التي عانت ضيق المكان وفرط الزمان في بيت أهلها، ستدخل بيت الزواج بحثاً عن فسحتها من الأماكن، والرجل الذي عاش الزمان في سعة المكان، سيدخل بيت الزواج ليمضي قليل الزمان الذي بقي معه في صغير المكان، لن يفهم هو معنى أن تحلم هي بالمكان البعيد، ولن تقبل هي حاجته للسكون في سجن المكان الصغير القريب، إنها انتظرته عمراً لتخرج، وهو تذكر أخيراً أن الوقت حان ليدخل، سيلتقيان إذن، على عتبة الباب فقط.
lamia.swm@gmail.com
الرياض