لا يمكن تخيلُ القفزة التقنية التي مررنا بها دون أن نحددَ تواريخَ ذات دلالةٍ أمام الجيل الجديد الذي وجد نفسه محاطًا بشبكةٍ معلوماتيةٍ واتصاليةٍ هائلة، وللتذكير؛ فلم تكن لدينا قبل عام 1964م أي محطة تلفزيونية، مثلما جاءت الفضائيات إلينا بعد عام 1990م، والجوالات في حدود 1995م، والإنترنت في مرحلة تاليةٍ، وهكذا مما يمكن قراءته وفق دلالات التجايل المتباين ومفاهيمه الثقافية المتبدلة.
ويذكر في عام 1983م أنه كان في جلسة عمل ضمن لجنةٍ رسميةٍ تعتزم زيارة لبنان، وكان –مع صديقه الدكتور محمد الأحمدي- ممثلين عن معهد الإدارة في اجتماع بمكتب مدير عام الجمارك «حينها» الأستاذ حمد الرشودي رعاه الله، وأراهم ما عده فتحًا في حينه حين عرض عليهم ورقةً مرسلةً بالفاكس من فرعٍ جمركي طَرَفيٍّ، وأضاف أنها أرسلت الآن فوصلته فورًا، وعدَّ ذلك حدثًا تقنيًّا يستحق الاحتفاء، ومن مظاهره -كما لمحنا- وجود جهاز الفاكس في مكتب معاليه، وابحثوا اليوم عن بقيّة ما تزال ترى في هذه التقنية قيمةً ذاتَ دلالة.
اعتمدنا -في عملنا التحريري- على البريد وكذا على الفاكس الذي لم يمتلكه وقتها سوى القلة، ولم يسعف البريدُ بعضَ كتابنا، كما لم يستطيعوا الحضور الشخصي فلجأ ثلةٌ منهم للتواصل الهاتفي الثابت، ولا ينسى أن فيهم من كان يتصل عليه في منزله؛ فإذا لم يجده أملى الخبر أو النصَّ القصير «وأحيانًا» الطويل على من يجيبه ولو كان طفلاً، وهذا بحكم الظرف الشخصي والمكاني الذي يحجب الوسائط الأخرى.
يذكر منهم المبدعَين الغائبين في صمتهما ومرضهما وهما صديقُه وأستاذه الشاعر الكبير صالح الأحمد العثيمين، والشاعر الإعلامي الصديق عدنان الصالح الدخيل – شفاهما الله وردهما إلى محبيهما ممتَّعَين بالصحة والعافية والسعادة - أما عدنان أو كما نكنيه تيمنًا «أبا خالد» فقد كان يحرص على إسماعِه جديده غيرَ المهيَّأ للنشر، وظل على هذه العادة الجميلة حتى غيابه في أحد مستشفيات ألمانيا مصحوبًا بدعواتنا الصادقة له، ويذكر أنه قبل فترةٍ لم يجده في منزله فأملى النصَّ على ابنته «تالا» وكانت في المرحلة الابتدائية غيرَ مستوعبةٍ لما تكتبه مع حرصٍ وصمتٍ ورغبةٍ في الإتقان؛ فجاء النصُّ أجملَ بتداخلاته الإنسانية الطفوليةِ ذات الامتداد؛ بما عُرف عن عدنان من عذوبةٍ ورقةٍ وشاعرية.
أما الآخر فهو «أبو خالد» – على سبيل الحقيقة – مثلما هو أبو «وليد وأحمد وهاني وهدى وندى وخلود –حفظهم الله جميعًا– شاعرنا الذي ما نزال نقرأ في شعره « شعاع الأمل* « ونتأمل « الشواطئَ العطشى** «، ونذكر التفات شيخنا عبدالله بن إدريس إليه حين ترجم له مع النخبة في كتابه الأشهر « شعراء نجد المعاصرون».
كنا نعرف شاعرنا العثيمين كما بقية جيلنا بوصفه علمًا إبداعيًّا بارزًا نشر ديوانه الأول في نهاية الخمسينيات الميلادية، مثلما كان رجل تربية وتعليم بارز، وقد التقى به صاحبكم في صفحته «قراءة في مكتبة» عام 1985م بمنزله في عنيزة، وهو الوحيد الذي التقى به هناك مثلما كان الشيخ عبدالله بن سليم رحمه الله والدكتور حسن الهويمل حفظه الله الوحيدين اللذين التقى بهما في بريدة، ولم يزر غيرَهم خارج الرياض؛ مستغلا إجازة قصيرة قضاها في مدينته بين والديه رعاهم الله.
عُرف صالح العثيمين بالرقة كما الأناقة، وما يزال –رغم أعباء وإعياء السنين- مثلا لهما، لكنه عازف عن النشر مع وجود ما يزيد على عشرة دواوين مخطوطةٍ لديه تنتظر فراغه لها وانتقاءه منها، ولولا جهود الجمعية الصالحية التي كرمته في مهرجانها الثقافي الأول لما صدر ديوانه الثاني.
لم نصل لبيت القصيد بعد؛ فلعل الخطو التالي يأذن بإيراد حكاية قصائده المملاة عبر الهاتف من عنيزة ومن الرياض وأحيانًا من لندن؛ فإلى الخطو التالي بعون الله.
* * *
* ديوان الشاعر الأول
** ديوان الشاعر الثاني
Ibrturkia@gmail.com
twitter:@abohtoon