منذ نعومة أظفارنا، وعدم فهمنا ونحن صغاراً وكنا نجلس على مقاعد الدراسة في المرحلة الابتدائية، نتعلم من ينابيع العلم الصافي، وعودنا طري جداً، قابل للكسر في أي لحظة وخاصة وعبر أسلوب ومنهج التلقين والشحن الذهني فرضت علينا الكثير والكثير من القصائد الشعرية الوطنية القومية. وكنا نقرأها في المدرسة ونسمعها في الإذاعة والتلفزيون. وأصبحنا نرددها في طابور الصباح المدرسي، وفي كل المناسبات الوطنية.
فعشقنا وأحببنا تلك القصائد الشعرية الخالدة والرائعة. وحتى في خطاب الأغاني التي كانت تبث وتذاع عبر الإذاعة والتلفزيون كانت تحمل كلمات كبرياء وتكبر مثل أغنية المطربة المعروفة سميرة توفيق ذات العينين الجميلتين كانت تغني لنا أبياتا من قصيدة الشاعر/ أحمد عبدالله قاضي والتي منها:
يا صبابين القهوة زودها هيل (....)،. يا ويلك الا تعدينا..... الخ
ومنذ الماضي ارتبط وجدنا بالأغاني الوطنية ذات الألحان الراقية المشحونة بمعاني التعبير عن الأفراح الوطنية. بهدف تنمية الشعور بالوطنية؟
ومن أجمل الأبيات الشعرية الوطنية التي حفظتها حتى اليوم.
هذه الأبيات الشعرية في محبة الوطن: قالها: الشاعر السوري العظيم، خير الدين الزركلي:
لو مثلوا لي موطني وثنا
لهممت أعبد ذلك الوثنا
وقال شاعر آخر:
ويا وطني لقيتك بعد يأس
كأني قد لقيت بك الشباب
أدير إليك قبل أبيت وجهي
إذا فهت الشهادة والمتابا
ويقول الشاعر السوري المبدع الكبير، الأديب خير الدين الزركلي:
العين بعد فراقها الوطنا
لا ساكناً ألفت ولا سكنا
ريانة بالدمع أقلقها
ألا تحس كرى ولا وسنا
يا موطناً عبث الزمان به
من ذا الذي أغرى بك الزمنا
قد كان لي بك عن سواك غنى
لا كان لي بسواك عنك غنى
ما كنت إلا روضة أنفاً
كرمت وطابت مغرساً وجنى
عطفوا عليك فأوسعوك أذى
وهم يسمون الأذى مننا
وجنوا عليك فجردوا قضبا
مسنونة وتقدموا بقنا
يا طائراً غنى على غصن
والنيل يسقي ذلك الغصنا
زدني وهج ما شئت من شجني
إن كنت مثلي تعرف الشجنا
أذكرتني ما لست ناسيه
ولرب ذكرى جددت حزنا
أذكرتني بردى وواديه
والطير آحاداً به وثنى
وأحبة أسررت من كلفي
وهواي فيهم لاعجا كمنا
كم ذا أغالبه ويغلبني
دمع إذا كفكفته هتنا
لي ذكريات في ربوعهم
هنّ الحياة تألقاً وسنا
ويقول (فخري البارودي) في قصيدته الغنائية الرائعة والتاريخية الخالدة (بلاد العرب) والتي حفظناها ونحن صغارا في المرحلة الابتدائية.
بلادُ العُربِ أوطاني
منَ الشّامِ لبغدانِ
ومن نجدٍ إلى يَمَنٍ
إلى مِصرَ فتطوانِ
فلا حدٌّ يباعدُنا
ولا دينٌ يفرّقنا
لسان الضَّادِ يجمعُنا
بغسَّانٍ وعدنانِ
بلادُ العُربِ أوطاني
من الشّامِ لبغدانِ
ومن نجدٍ إلى يمنٍ
إلى مصرَ فتطوانِ
لنا مدنيّةُ سَلفَتْ
سنُحييها وإنْ دُثرَتْ
ولو في وجهنا وقفتْ
دهاةُ الإنسِ و الجانِ
بلادُ العُربِ أوطاني
من الشّامِ لبغدانِ
ومن نَجدٍ إلى يَمَنٍ
إلى مصرَ فتطوانِ
فهبوا يا بني قومي
إلى العلياءِ بالعلمِ
وغنوا يا بني أمّي
بلادُ العُربِ أوطاني
بلادُ العُربِ أوطاني
منَ الشّام لبغدانِ
ومن نجدٍ إلى يمنٍ
إلى مِصرَ فتطوانِ
لقد قتلت طفولتنا بالكذاب في مدارسنا الابتدائية ولم أكن أعلم يومها أن مثل هذه القصائد هي رمز.. للكذب.. وقتل الطموح، والإحباط، رحم الله عبدالله القصيبي الذي قال: إننا ظاهرة صوتية.
فأين اليوم نحن كأمة عربية من هذا الكلام الرائع والمبدع. والذي حفظناه، ولكن لم نشاهده على الواقع. بل إننا وجدنا أمامنا العكس لكل ما قيل لنا من كذب وتزوير على التاريخ. فلا وحدة عربية ولا يحزنون، ولا تقارب سياسي، ولا تفاهم اقتصادي، ولا تجاذب اجتماعي،
ولا..، ولا..!.
بل حروب ومعارك طاحنة ومدمرة لأتفه الأسباب وكأننا نعيش في مرحلة حرب البسوس وداحس والغبراء وغيرهما. لقد تصدرت.. الفرقة الحمقاء. على سلوك قادتنا وكبارنا وحكامنا ورجال الساسة والحكم وأضحت يد.. (الفيفا).. الدولية أو صفارة حكم داخل ملعب تفرق أمتنا العربية بسبب كرة القدم.
لقد أصبح تفرقنا أداة من أدوات التسلية والرفاهية ويجتمع على قدرتها الحرب؟
وعندما كبرت أجسادنا وانتفضت قاماتنا، ونضجت عقولنا، استطعنا أن تفهم الكثير والكثير من المفاهيم والمعارف والحقائق. بعد أن كنا نلقط مثل الطيور كل حبة رز أو قمح نجدها تحت تصرفنا. وليس أمامنا أي شيء نتحصن به إلا تلك المعلومات التي ضخت في أسماعنا وعقولنا. وكنا نظن أنها الأفضل والأصح ووظفناها لخدمة حياتنا الدراسية وعندما كبرنا وزاد نضجنا وأدركنا أننا كنا مسيرين لأقدار علمية وثقافية ودينية لا تخدم مستقبلنا. بدأنا نبحث عن العلم والمعرفة والثقافة التنويرية الغير مثقوبة. حتى تستطيع أن نخرج من..(( غربتنا الثقافية)).... ومن أجل ذلك دفعنا أثمانا باهظة، ولكن في النهاية اشترينا عقولنا. لقد تبين أن ما قيل لنا من مقولات وأمثلة وقصائد شعرية ومقالات وكتب وغيرها لم تكن تحمل أنقى المعارف والعبارات والكلمات والنصوص. وكما تبين لنا أن تلك المواقف التي كنا نظن أنها نبيلة وفاضلة، فإذا بنا نكتشف أنها كانت للتفاخر والتضليل والكذب والكبرياء والتكبر والغرور وكان ذلك..*الإحساس المريض*.. وجد من ينفخه ويلمعه في دواخلنا بهدف السيطرة على عقولنا وثقافتها.
ولكن ذاكرتنا الوطنية السعودية لا يمكن لها أن تنسى بعض الأغاني الوطنية الخالدة في وجداننا، وأصبحت جزءا لا يتجزأ من الإرث الثقافي الوطني الذي نفتخر به. ومن تلك الأعمال الغنائية الرائعة والخالدة أغانٍ وأعمال منها: وطني الحبيب والتي أبكى حين أسمعها، وأغنية بلادي بلادي منار الهدى، والتي تهز الوجدان من جذوره، وأغنية: نحن الحجاز ونحن نجد، والتي كتب كلماتها المبدعة والرائعة والخالدة الشاعر الكبير الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله - والتي كتبت أثناء حرب الخليج الثانية وبعد الحرب لم نسمعها، ولقد قمت بالبحث عنها في دواوين الدكتور غازي القصيبي ولم أجدها ولم أفهم سبب تغيبها حتى الآن. وكذلك أغنية: فوق هام السحب، وغيرها من تلك الأغاني الوطنية التي تشعل العواطف وتلهب الوجدانيات.
ويا ويلك إلا تعدينا !.
والله يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض، وساعة العرض، وأثناء العرض.
Zkutbi@hotmail.com
Twitter: Drzkutbi