ساكنة الحياة في بيوتنا، لا لأن المشاكل لا تطرق أبوابنا، بل لأننا لا نعيش الحياة بتفاصيل يومية بل بمواسم ومناسبات سنوية وأبعد، ليس هنالك شؤون شخصية وأيام تختلف من شخص لآخر، جميعنا مساقون في أيام واحدة متشابهة لا تتميز عن بعضها، تتقطعها حوادث محض قدرية، أيام منزوعة اللون والطعم، معلقة في روزنامة سنوية لا يتغير فيها إلا التواريخ فقط، أيامنا التي نعيشها هي هذه الحياة الساكنة جداً عن الحركة في بيوتنا.
تسكن هذه الحياة مثلنا حتى تنسى أن الحركة خيار لا مجرد قدر يَحكم ولا يُحكم، نفقد نحن في بيوتنا التفكير في حياتنا مستسلمين في خضوع تام إلى مشيئة عامة لمزاج أب متسلط أو أم ضعيفة، مشيئة اجتماعية تقرر دور كل فرد في العائلة قبل أن يولد وتحكمه حتى ساعة رحيله، مشيئة عصبية وتقليدية، أبوية كسولة ومتحيزة، نعيش كجماعات من الأسرى يساقون إلى منصات محدودة فإما زواج وإلا عنوسة، إما عمل وإلا بطالة، إما ثروة وإلا فقر، نساق في حياتنا بصمت ومثابرة نحو مصير واحد متشابه لا يحتمل اختلاف وتمايز الروح الإنسانية.
صاخبة حياتنا رغم سكونها، صاخبة بأصوات الملل والفراغ الكبير الذي يضمنا، بالعجز المستحكم في مفاصل بيوتنا، صاخبة بنظرات أعيننا لا تعرف على أي اتجاه توجه قبلتها، ساكنة بخطواتنا لا تتقدم ولا تتراجع ولا تتردد بين الاثنين واقفة من حيث وجدت يوما وإلى أن تعدم يوماً، ساكنة الحياة في البيوت رغم الغضب العارم الذي يجتاح لحظاتنا وينطفئ من فرط الألم، ليست سالمة هذه الحياة الساكنة في بيوتنا، فثمة موت صغير في كل زواياها يحتفظ بنصيبه من الخوف، ثمة موت صغير يتبع كل منا كظل الشمس لكنه لا يغيب بغيابها بل يطول أكثر حتى يبتلع قاماتنا في ليال صامتة، ثمة موت حي يعيش بيننا وفينا يعيش على سكون أيامنا، موت لا تنتهي صلاحيته في العمل ولا يحال إلى التقاعد، خالد هذا الموت كما لو كان أكسير الحياة!
الحياة التي تسكن بيوتنا تشبهنا، فلا هي ولا نحن نعرف الخروج من البيت، لا نحن ولا هي نعرف الدخول في العالم، جميعنا منعزل في القطيعة السامية، جميعنا خردة مهملة في ورشة الكون الكبيرة، متسامين بأنفسنا وبحياتنا عن مشاركة الكون في شؤونه اليومية، فائضين بوقتنا لا نعرف كيف وبماذا يمكن أن ينشغل ونشتغل، عاجزين عن تلوين أيامنا بأفكار جديدة، مكتفين بتطريز أنفسنا كمنمنمات على هامش واسع لا يزاحمنا أحد فيه، خائفون من الموت دون أن نعرف ماذا يمكن أن نخسر فيه، نحن الذين نعيش أعمارنا الطويلة في حياة لا نريد قسمتنا فيها ونكره أن يقسم لنا فيها نصيب.
السكون الذي يتلبس بيوتنا وحياتها، سكون كبير تتسرب منه أيام كثيرة، تتسرب منه أرواح كثيرة، تتسرب منه قلوبنا وأسماؤنا وأفراحنا وأحلامنا، جميعنا نتسرب منه عاجزين عن تحريك أصابعنا لأي اتجاه لينكسر السكون ونتحرك.
lamia.swm@gmail.com
الرياض