الثقافية - عطية الخبراني
قبل أن أضع لأحرفي موضعاً على الورق, سأسأل سؤالاً ربما سأعجز عن إجابته وستعجزون، وربما لن يسعفني تسارع اللحظات والتراشق والردود في أن ألتقط أنفاسي ولا أن تجد الأحرف للورق طريقها والسؤال هو «هل سأستطيع أن أصل إلى نهاية لهذه المادة» ؟! يتابع المشهد الثقافي بتعجب وعلامات استفهام كبرى ما يجري في أدبي جازان منذ أشهر، إذ وصلت الخلافات إلى أوجها وتبادل الاتهامات إلى درجة لم يعد للمتابع أن يطيق لها احتمالاً وخصوصاً حين يقف هذا المتابع في منتصف الملعب ليجد نفسه بين ثانية وأخرى وسط موجات هادرة من «الزعيق» الذي يبعث على الاستفراغ.
توالت الأحداث منذ الأيام الأولى لتولي المجلس المنتخب بالاتهامات والعناد بين المجلسين السابق والجديد أو بالأحرى بين رئيس السابق ونصف الجديد إن أردنا أن نكون أكثر دقة، وانتهت القضية بطريقة دراماتيكية لا تصدق إذ اعتذر المجلس الجديد من السابق بعد وساطات «لإصلاح ذات البين الثقافي»، تبع ذلك استقالات ربما عدها المتابعون الأبرز على مستوى الأندية الأدبية السعودية فاستقال أحد أبرز الأسماء الأدبية في جازان تحديداً وهو الشاعر أحمد البهكلي ليلحق به في غضون يومين أو ثلاثة الشاعر مهدي حكمي وليبدأ «العرج الثقافي» في المجلس الناقص عدداً لا أهلية كما كان يرى الأعضاء المستمرون، وليتحول الحديث في شأن أدبي جازان إلى قضية ثقافية على مستوى الوطن، إذ لم يعد يقتصر الحديث فيه على مستوى أدباء جازان ومثقفيها فقط.
ما إن هدأت العواصف قليلاً والتأم المجلس إلا ويأتي خبر إعلان الناقد جبريل سبعي استقالته من المجلس على المتابعين كالصاعقة، فلم يتبق في المجلس إلا الرباعي الإداري والمثقفات الثلاث، وظلت السجالات سرية بين أعضاء المجلس يفوح منها ما يفوح ويتسرب ما يتسرب وتتخمر البقايا داخل غرفة الرئيس على الطاولة شبه المستديرة ، ولتتصاعد وتيرة النقد والخلاف بين الجمعية والمجلس على صفحات المنتديات وشبكات التواصل الاجتماعي لتخرج الصحف كل يومين أو ثلاثة بخبر أو خبرين، ولم تهدأ الأمور كثيراً حتى تفجرت قضية «الحذاء» ليلة اجتماع الجمعية العمومية السنوي ليصل الإسفاف إلى حدود غير معقولة لم يتجاوز عدد أبطاله أصابع اليد الواحدة ولعل تلك مزية يجب ذكرها حتى لا تتهم الجمعية والمجلس جزافاً.
بين كل حدث وآخر كنا نسمع عن رسائل غريبة بين أعضاء المجلس يتعدى بعضها الذوق العام وأدنى أبجديات الحوار لكننا كمتابعين لم نكن نملك أن نقول شيئاً طالما أن كل ما يقال عن هذه الرسائل ما زال في حيز التسريبات ولم يجد فرصة للظهور الحقيقي، رغم أنه يصل للبعض طازجا لكنني أعرف أنهم يملكون من النبل ما يمنعهم من الحديث عن هذه الرسائل الخاصة حفاظاً على ماء وجه المجلس ووحدته، وظل السادة الأعضاء في حالة تكتم يشي برضا عن هذه الرسائل أو ليثبتوا أنهم لحمة واحدة لا تخترق وأن جميع الأمور تحت السيطرة «وكله تمام يا باشا»، لكن لا بد للماء الساخن أن يصل لدرجة الغليان في لحظة ما إن استمرت النار في اشتعالها من تحته ولا بد في تلك اللحظة أن تتطاير قطرات الماء خارج الإناء وهذا ما حدث حين انفجرت السيدتان هدى خويري ونجاة خيري على صفحات موقع التواصل «فيس بوك» بسيل من الاتهامات والخفايا التي يعرفها من يعرفها ويجهلها من يجهلها عن الوضع الداخلي للمجلس لتضعا المتابعين وسط دائرة المجلس «وكله ع المكشوف»، وبلغة لا تخلو من تهديد تنهيان حديثهما.
ثم ما لبث أن ارتفع السقف قليلاً لندخل في سلسة جديدة من الشكاوى ربما لن تتوقف بسهولة طالما أن اللغة السائدة هي لغة فضائحية تهديدية لا تمت للأدب والثقافة وأهلها بنسب ولا صلة.
قضية الاتصال برائف بدوي أيضاً أخذت حيزا من الخلاف والتصديق والتكذيب والأخذ والرد بين رائف ومتحدث النادي علي زعلة، لنبقى نحن المتابعين معلقين بحبل من شك بين هذا وذاك دون حسم يمنحنا أحقية أن نشير بأصعابنا إلى جهة معينة أو شخص بذاته، وكأنما تحولت الأمور إلى تدخلات عفريتية لا مسبب لها، أو أننا عاجزون عن الوصول لماهية المتصل وشكله.
منذ أيام عادت الأمور إلى خط النار مجدداً باستقالة العضو الاحتياطي البديل الذي انضم إلى المجلس وهو الشاعر حسين سهيل لتعود الأسئلة مجدداً وتتأكد الاتهامات بوجود خلل لا بد من إصلاحه.
ما لا يستطيع أن يجزم به أحد هو «هل ستتوقف هذه المسرحيات قريباً أم أن العرض ما زال مستمراً»؟ فأبطال العرض ما زالوا يعتلون الخشبة والجمهور بين مصفق ومشجع وشاتم وحانق ومنادٍ بإيقاف هذا العرض الهزيل.
وسط كل هذا الضجيج, ما زال رئيس أدبي جازان محمد يعقوب ينظر للأمر من زوايا حالمة وبمشاعر شبه باردة أو هكذا يخيل لنا حين يريد أن يقنع المجتمع الثقافي أن كل ما يحدث ما هو إلا نقد يتقبله المجلس بصدر رحب، لتتواصل «الطبطبة» ويظل العرض مستمراً.
سيظل الجدل حول لائحة الأندية الأدبية قائماً حتى بعد إعادة صياغتها، وستظل مشكلات الأندية تغذي الصحافة كل يوم بخبر ومقال.
لن نعدكم أن تظل هذه المادة طازجة حتى تصلكم ففي الطريق تنبت ألف قضية جديدة تحتاج إلى ضعف هذه الصفحات والأحرف.