في عام 1990 نشر الشاعر الأمريكي روبرت كندل أول قصيدة تفاعلية إلكترونية عنوانها «كلها ستنتهي إلى» ثم تبعها بعد عام بقصيدة «الفكرة»، ومنذ ذلك الحين استمر كندل مخلصا لهذا الفن الأدبي التحديثي بكتابة القصائد الرقمية وإلقاء المحاضرات عن هذا الفن والإشراف على مواقع تحتفي بالمبدعين من كل العالم في هذا المجال. يقول كندل في موقعه: كلنا نعلم أن الشعر والتقنية لا يجتمعان حتى تذكّرنا أن الكتابة نفسها هي تقنية، تقنية الكتابة نفسها تغيّرت في عصر الإعلام الإلكتروني والأدب تغيّر معها، وقال إن صفحته التي تتضمّن قصائده التفاعلية هي جزء من جهوده لمساعدة الشعر والقصة للانتقال من الحبري إلى الرقمي.
وكانت أول تجربة عربية عن طريق الشاعر العراقي الدكتور مشتاق عباس معن الذي نشر في عام 2007 قصيدته التفاعلية « تباريح رقمية لسيرة بعضها أزرق»، وقال عن بدايات تجربته وتحوّله من العالم الورقي إلى الرقمي: أنا أؤمن أن الولادة القيصرية تعرّض المولود إلى مخاطر كثيرة قد تودي به إلى العطب، لكن الولادة الطبيعية أكثر ضماناً لاستمراره ونموّه ؛ لذلك لم تكن انتقالتي من الورقية إلى الرقمية فجائية بل كانت تدريجية، فلما وجدت الحين أزف لانتقالي انتقلت. والتفاعلية موجودة في النص الورقي أيضاً، مع ملاحظة فوارقها عن الرقمية، فاستثمار تقنية تعدّد الأصوات الدرامية والمسرحية، والروائية أيضاً - حسب باختين-، وتقنية السيناريو، وفضاءات الشكل الكتابي ومصطلحاته، كل هذه الأمور وسواها، تحسب في النص الورقي على التفاعلية، وقد استثمرتها في صياغة نصّي الشعري الورقي منذ قصائدي المبكرة، فكانت هذه الاستثمارات عتبة أولى يسّرت من انتقالتي التفاعلية في طورها الجديد الذي حتّمته الضرورة التطورية التي نحيا في ظلها بعصرنا الإنفوميدي.
ولقيت هذه التجربة الأولى احتفاء كبيرا وتلتها قراءات نقدية من أهمها قراءة الشاعر والناقد معن الأزرق الذي اختط هو أيضا منهجا نقديا حداثيا يجمع بين النقد التقني والأدبي بتحليل الأدوات الإلكترونية والشعرية المكوّنة للعمل. ويقول الأزرق في مقدمة قراءته النقدية: تطمح «القراكتابة» الراهنة أن تكون عاشقة لانشقاق الدوال الرقمية وعناقها، باحثة فيها عن «ضوء الشعر الرقمي» المتسرّب بين الأصوات والصور والألوان والحركات واللمسات والروابط لا فقط عبر اللغة واستعاراتها ونظمها النحوي والعروضي.
والأدب التفاعلي بشكل عام بدأ يلقى رواجا واهتماما إبداعيا من الشعراء الشباب الذين أصبحت التقنية جزءا من حياتهم اليومية في ظل الانحسار الورقي، وصاحب ذلك اهتمام نقدي بالمقالات والمؤلفات، منها على سبيل المثال كتاب «مدخل إلى الأدب التفاعلي» للدكتورة فاطمة البريكي، الذي أكدت فيه أهمية هذا الاتجاه الحديث في كتابة النصوص الإبداعية، ووصفت فيه الأدب التفاعلي بأنه: النموذج الأدبي المعبّر عن العصر الرقمي التكنولوجي خير تعبير، وهو الذي يصلح أن يمثله أمام الأجيال اللاحقة بصفته نتاج هذا العصر وثمرة فكر مبدعيه، ويقر الأدب التفاعلي بدور كل من المبدع والمتلقي في بناء النص، وأضافت: وينطوي على قدر من الحيوية والحرية في التفاعل مع النصوص الأدبية على نحو غير متوفر في الأدب التقليدي، ويكسر حالة الرتابة التي تصبغ النصوص الأدبي التقليدية ويحرّرها من الجمود، ويساعد على شحذ الأذهان والتحفيز على الابتكار بما يتيحه من إمكانيات غير محدودة ليقدم الأديب بها إبداعاً غير محدود أيضاً. فيما حثّ الدكتور إبراهيم أحمد ملحم في كتابه «الأدب والتقنية: مدخل إلى النقد التفاعلي» الجامعات على تأسيس هذا الأدب ونقده، ليس من منطلق فرضه، ولكن من منطلق أن المتعة يمكن أن تتمازج مع المعرفة، فتبني جيلاً من المتذوقين للإبداع، وجيلاً من المبدعين، وجيلاً من النقاد يكون قادرًا على الولوج فيه بنجاح بحيث لا نترك الزمن يتحرك أمامنا نحو المستقبل دون أن نفعل شيئًا على حد قوله.