القناة الأولى، ksa2، الرياضية1، الإخبارية، أجيال، القرآن الكريم، السنة النبوية، الثقافية، الاقتصادية.. تسع قنوات – وربما عشر – تشكل في مجملها جهاز (التلفزيون السعودي) وقد تساءلنا من بعد إنشاء القناة الرابعة (وكانت الإخبارية) عن جدوى ازدياد العدد والمسميات، وهل ستتمكن وزارة الثقافة والإعلام من إدارة هذا الكم من القنوات المتخصصة بالكيف الذي يضمن لها حضوراً ومصداقية عند المشاهد..؟!
في الحادي عشر من رمضان الماضي (30 يوليو 2012) قرر مجلس الوزراء الموافقة على تنظيم (هيئة الإذاعة والتلفزيون) كمنشأة تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة إدارياً ومالياً وترتبط تنظيمياً بوزير الثقافة والإعلام، ولا شك أن هذا القرار يحمّل جهازي الإذاعة والتلفزيون مسؤولية ويمنحهما حرية في آن.. ولعل من أبجديات المسؤولية في هذه الحالة أن تكون المضامين متطابقة تماماً مع المسميات، إذ لا يمكن لقناة تلفزيونية كقناة القرآن الكريم أن تغفل عن نقل الصلاة مباشرة من المسجد الحرام بمكة المكرمة، ولا يمكن لقناة السنة النبوية أن تتقاعس عن نقل الصلاة من المسجد النبوي بالمدينة المنورة، ولا يمكن لقناة الثقافية أن تتجاهل حدثاً ثقافياً كالجنادرية أو معرض الكتاب. وعلى هذا النحو يكون من غير المقبول أبداً أن نرى قناة (الإخبارية) لا تتأخر فقط عن الإخبار بحدث كبير وخطير كالذي عشناه صباح الخميس الأول من نوفمبر الجاري في شرق مدينة الرياض (انفجار شاحنة الغاز) الذي هزَّ أحياء شرق الرياض كلها وهشم الزجاج في بيوت كثيرة (من ضمنها بيتي، مع أني لستُ قريباً جداً من موقع الانفجار).. أقول: قناة (الإخبارية) لم تتأخر فقط عن بث هذا (الخبر) الخطير ومتابعته، بل إنها كانت تصرّ لساعات طويلة على عرض شريط باهت في أسفل الشاشة مكتوب عليه: (حريق في شاحنة شرق الرياض ولا وفيات والسائق سليم)! بينما جميع القنوات الفضائية العربية كانت تقول: (انفجار غاز من شاحنة شرق الرياض والوفيات 21 حتى الآن وعشرات المصابين) فيا له من فارق بين (الأخبار) الصحيحة وما تقوله قناة (الإخبارية) التي جعلت الناس يتناقلون على المواقع (الإخبارية – الإلكترونية) العديد من النكات والطرائف التي تذكّر بمسرحية كوميدية يظهر فيها بائع صحف يقول (الصحف عندي غير كل الصحف، فكلها تقول الأهلي فاز على الزمالك وعندي تقول الزمالك فاز على الأهلي)!
هل كان ما بثته قناة الإخبارية مقصوداً لكي لا تفزع الناس؟ ما هذه البراءة الطفولية في قناة اسمها (الإخبارية)؟! من الممكن جداً أن يُنشر الخبر بمثل تلك الصيغة المخففة جداً على قناة (أجيال) الخاصة بالأطفال، ومن الممكن جداً إيقاف وإلغاء قناة (الإخبارية) إن كانت لا تجرؤ على نشر (خبر) تم نشره في كل وسائل الإعلام العربية، والعجيب الغريب أن حتى نهاية الحدث وإطفاء كل النيران المشتعلة وقناة الإخبارية برغم أنها ذهبت بعد ذلك بفترة لتصوّر موقع الحدث من على متن طائرة مروحية نراها لا تزال تصفه بأنه (حريق) في حين أن وكالة الأنباء السعودية كانت قد أصدرت بيانها المتضمن خبراً صادراً من أعلى مقام في الدولة (واس: وجه خادم الحرمين الشريفين بتسخير جميع الإمكانيات لعلاج جميع مصابي حادث انفجار شاحنة الغاز الذي وقع صباح اليوم بشرق مدينة الرياض) وفي اليوم التالي صدرت الصحف المحلية المطبوعة، وعلى رأسها صحيفة (الجزيرة) بعنوانها الرئيس على صفحتها الأولى: (صباحٌ دامٍ شهدته العاصمة أمس – انفجار شاحنة غاز يحرق 24 شخصاً ويصيب 131 آخرين بشرق الرياض) ولا تزال قناة (الإخبارية) تصرّ على مغايرة الواقع وصياغة (الخبر) على أنه (حريق) وليس انفجاراً..!
هي سحابة تشكلت من الغاز المتسرب من الشاحنة – ناقلة الغاز - وخيمت على منطقة واسعة من شرق الرياض وانفجرت فيها، وكلّ سكان الرياض سمعوا دويَّ الانفجار، فلماذا تصرّ قناة الإخبارية وحدها على وصفه بالحريق؟ هل كانت تقصد حريقاً آخر غير ذلك الناجم عن الانفجار؟! مثل هذا الاجتهاد في تسمية الأحداث بغير أسمائها يضع المشاهد في حيرة تصل به إلى فقدان الثقة في كلّ (أخبار) هذه القناة المسماة (الإخبارية)..
ثم إن قناة (الإخبارية) استحقت عن جدارة أن تفوز فوزاً لا ينافسها عليه أحد في كونها الوسيلة الإعلامية الوحيدة في العالم العربي كله التي كانت تكرر القول بإصرار: (لا وفيات) في وقت اختلاف الأخبار على وسائل الإعلام الأخرى حول عدد المتوفين 22 أو 24 أو 26 أو أقل أو أكثر، وجميعها كانت تضع عبارة (حتى الآن) لحرصها على المصداقية، إذ لم يكن من الممكن الوصول إلى نتيجة نهائية للحدث؛ إلاّ قناة الإخبارية التي كانت حريصة على (اللا) النافية تماماً لحدوث أيّ وفيات (!) ما هذا؟ هل نحن نتحدث عن قناة اسمها (الإخبارية)؟ كيف هو شعور المسؤولين في قناة اسمها (الإخبارية) حين تنجح بمحض إرادتها في إقناع الناس ب أنها ليست (إخبارية)..؟!
أقترح جاداً على معالي رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون، حتى لا أتجاوزه بالاقتراح على معالي وزير الثقافة والإعلام.. أن يتم تغيير مسمى قناة (الإخبارية) لتكون (الحوارية) فقد برعت فعلاً في اللقاءات الحوارية مع سياسيين من مختلف أنحاء العالم العربي، ولكنها فشلت فشلاً ما بعده فشل (عن سبق إصرار وتعمّد) في أن تكون كما اسمها (إخبارية) في مدينة الرياض التي ينطلق منها بثها إلى العالم كله..
لقد قسونا ولا نزال نقسو على قناة (الثقافية) حين تخفق أو تغالط في شأن من شؤون (الثقافة) التي لا تخصّ إلاّ فئة قليلة من المجتمع، فهل نتغاضى عن إخفاق ومغالطة قناة (الإخبارية) في شأن يشكّل (خبراً) خطيراً يهمّ المجتمع السعودي كله، بمختلف ثقافاته ومجالاته وأجساده التي تستنشق أنفاسها من هواء الرياض؟!
ffnff69@hotmail.com
الرياض