ليس بمقدور صاحب الفكرأن يؤدي رسالته الحضارية على أكمل وجه إذاكان يحيط ذاته بأسوارالعزلة فينفصل عن الواقع المحيط لصالح الانكفاء على الذات والتمحورحول الأسفارالتراثية والإغراق في العيش على هامش المجتمع. في تلك اللحظة المفصلية التي نعيش تفاصيلها لا مناص أمام العلماء من مغادرة الأبراج العاجية نحوالانفتاح على الآخرين والتواصل الحيوي مع طلاب المعرفة، نعم ثمة قدرملحوظ من التواصل ومخاطبة الوعي العام نعاين ذلك من خلال الحلقات المسجدية وعبرطرق الإعلام – بمنحييه التقليدي والجديد - وأدوات التواصل الجماهيري فهذا الضرب من الاتصال لا ريب أنه متجسد على نحويتعذرإنكاره، وإنما ما نفتقده هنا هوذلك التواصل عبرمنتديات ولقاءات فكرية ذات طابع خاص فمثل تلك اللقاءات يندر وجودها فهي على نحو من القِلّة لايحتاج الوقوف عليه إلى كبيرعناء ويأتي من أبرز تلك المجالس مجلس الشيخ الدكتورحسن الحميد في لقائه الأسبوعي في مجلسه العامرفي شمال بريدة حيث استحال ذلك المنزل إلى منتدى فكري يرتاده المعنيون على نحو يعبرعن مدى فاعلية الشيخ في ظل زمن تراجعت فيه معاني الاحتساب والعطاءالمجاني وضمرفيه منسوب الهم الجمعي لصالح حظوظ الأنا والدوران في فلك الذات!

اللقاءات المنزلية غالبا ما تمتاز بقدر كبير من التلقائية والعفوية وتجاوز حدود الرسمية حيث المتحدث هنا يرسل ذاته على سجيتها ويقِلّ عنده التحفظ إلى أدنى حدوده على نحويعززمن فرص اندماج المخاطبين مع صانع الخطاب ولاسيما إذا تم اختيارالمواضيع بعناية من تلك القضايا ذات الثقل والتي تحظى بمركزية ملحوظة في الحياة العامة.

إن لقاءات المجالس المفتوحة وخصوصا حينما تنعقد بصفة دورية ومنتظمة لها آثار حيوية ملموسة وتكون فعاليتها أكثر حينما يؤمّهاالموافق والمخالف حيث لاتقتصرعلى خط واحد بقدرماهي محكومة بقدرمن التنوع الدائرفي إطارالوحدة على نحويكون فيه الخلاف عاملا للائتلاف وبصورة تعزز من فرض تضييق الفجوة لصالح الوسطية وتوسيع مساحات الالتقاء.

إن توسيع دائرة التواصل ضرورة لكل معني بهندسة الخطاب التوعوي والمجتمعات بطبيعتها تنفرمن ذلك النوع الانطوائي الذي لايجسد النموذج السلوكي المطلوب، إن الجماهيرتلفظه، تهمشه وتزْورّ بوجهها عنه كنتيجة طبيعية لإيثاره للانزواء بعيدا عن معايشة الهموم العامة فهويرى ذاته غير معنيّ بتحسس نبض الشارع ومعايشة معاناته وتحليل واقعه وتشخيص حالته الحضارية على وجه عام!