تضطلع عقول العلماء الكبار بأريحية ملحوظة عند حدٍ لا تتعداه إلا وتعودُ إليه، وحينما تشتد في القراءة لهؤلاء الأجلاء تجد أنهم ذوو أريحية عقلية بعيدة عن أريحية العاطفة بُعداً مثل بُعد النقيضين.
وأساس هذا أمران:
1 - قوة الفهم الجاد والحاد في آن.
2 - كمال الثقة في النفس.
فقوة الفهم وحدته هذا يبعثُ كوامن أساسيات العلم واستنطاق الآثار الخطابية وتقعيد السابقين عليها بعيداً عن كثرة الكلام والاستطراد والنقل والعجلة ونشدان الاستحسان، فيأتي كلامُهم نسقاً واحداً غير ذي عوج، وتجد أنهم في هذا يجمعون المعاني الكثيرة بلفظ قليل.
وكمالُ الثقة في النفس هذا مركبٌ مهمٌ تُحِسُ به وأنت تقرأ مثل كتاب (العلل) لابن أبي حاتم أو (العلل) لابن المديني أو (الدارقطني)، أو وأنت تُطالعُ ما خطه الكسائي أو الغراء أو (الكتاب) لسيبويه. ولهذا خوفاً على العلم أن يندرس وخافوا على العقل أن يخبو ويأفل حموا العلم بقواطع ناهضة لا جرم ناهضة لن يستطيع له أحدٌ نقباً إلا لمتعالم أرعن أو متسلق أهوج أو متزلف هين.
فقالوا لكل أحدٍ أن يصنف أو يكتب أو يتحقق أو يؤلف ما شاء له أن يؤلف إلا (العلم) فهذا: لا.
فوضعوا مثل هذه الأصول المعتبرة: سلامة اللسان من اللحن/ قوة كمال التَّجرد/ سلامة النية من الميل لحظ النفس/ نباهة الحذر من حيل النفس/ والرغبة في الصيت، ثم أسسوا الضرورات الآتية:
1 - معرفة الناسخ من المنسوخ.
2 - معرفة المطلق والمقيد.
3 - معرفة المتقدم من المتأخر.
4 - معرفة العام والخاص.
5 - معرفة دلالة اللغة على المفردات.
6 - الوقوف على أقوال العلماء.
7 - تقييد القول بنص صحيح.
8 - البعد عن لمز المخالف.
9 - كمال حسن الخلق مع جمال التودد.
وحين تضع ما كتبه: /لويس عوض/ أو محمود بن أمين العالم/ أو سلامة موسى/ أو/ سالم الحصري/ أو محمود أبو ريه/ أو /جرجي زيدان/ أو: إسماعيل صبري/ أو حنامينا/ أو قسطنطين زريق/ أو /محمد أراكون/، حين تضع ما كتبه واحدٌ من هؤلاء أمام ما كتبه ممن ذكرتُ آنفاً تجد حشواً «وما يوم حليمة بسر»، وعند (ميخائيل نُعيمة) خاصة تجد تهكماً واضحاً بمقدرات العرب لا تكاد تبين.
وخذ مثل /حسين أحمد أمين/ تجد عجباً من كلام فيه: جرأة/ وجهالة/ لكن مُركبة لاسيما بالصحيح والضعيف وحقيقة: النقل والعقل وأيهما المعتبر في التقديم.
وإذا كنتُ أختصرُ ما أطرحه فلكي أنبين فقط أنَّنا بحاجة أن نعيد القراءة الجادة الهادئة من جديد، قراءة /اللغة/ والنحو/ وصحيح روايات التاريخ/ والسِّير/ والأخبار، وكذا: قراءة الروايات عند المحدثين وكتب النَّقد العلمي مما كتبه /ابن قُتيبة/ والقرافي/ وابن فرحون/ وابن تيمية/ وأبو الحسن الأشعري/ وابن الجوزي/ وابن خلدون/ لاسيما في تقريره لأصول/ علم الاجتماع/ والأدب/ والرواية، وما بذله /الدامهرمزي/ في أساسيات العلم التقعيدي في علم من أجلّ العلوم ألا وهو: علم (الرواية وعلم الدراية).
وهذا الكتاب مع كتاب (الفروق) للقرافي وكتاب (الرسالة المستطرفة) للكتاني لم أر فيمن ناقشتهم من أهل (الأدب) و(النقد) وتقعيد وتأصيل (العلم) و(التحليل)، لم أر أحداً من هؤلاء الذين زاروني أو زرتُهم يملك واحداً من هذه الكتب الثلاثة دع عنك: (بدائع الفوائد) لابن قيم الجوزية/ أو كتاب (التمييز) للإمام مُسلم بن الحجاج.
من أجل ذلك فلعلَّك تملكُ إن كنت حصيفاً ألمعياً جيداً (ثلاثين كتاباً) من كتب المعاصرين فلا تخرج منها إلا بنقل مُجرد أو مكرر القول أو تخرج بخطاب مُباشر أو بخطاب إنشائي ظنَّه صاحبه أو ظنَّ أصحابها (والظَّنُ لا يغني عن الحق شيئاً)، ظنَّ أو ظنُّوا أنهم بذلوا بذلاً وصنفوا تصنيفاً وجددوا تجديداً، وإنما ذلك السَّرد وإعادة ما تمت قراءته بأسلوب جديد بثوب جديد بجرأة عجيبة وليستْ الشَّمس بخافية في رابع النهار.
ولعلَّ /الحال/ اليوم داعية إلى ضرورة التنبه إلى هذا الزحم من الكتب تلك التي ليست إلا تكراراً لمعاد القول أو هو لطش ذكي بلباس (الاقتباس) و(الاستشهاد) ومسؤولية ذوي الريادة تتضاعف كثيراً حين يُدركون حقيقة ما أُشيرُ إليه.
ولعل (الهيئات العلمية.. والمجالس الجامعية.. ودور النشر المسؤولة.. وخاصة (وزارة الثقافة والإعلام) يناط بها ما لا يناط بغيرها.
* * * * *
بريد الخمس
- محمد.. ع.. الشمسان، المذنب..
أقدِّر لك السؤال والفاكس هو: الرياض
- زيد بن نصار العيدي العسكر، الخرج..
اختلفت طبعات كتاب (الكتاب) لسيبويه، وقد تناول فيه علم البلاغة بصياغات جيدة يلهمها كما يزعم آخرون.
- خالد بن علي بن محمد المنصور، مكة..
هناك فرق كبير بين: الإجماع والاجتهاد، فلا يكون الاجتهاد -أعني (المطلق)- إلا من صاحبه الجبهذ الموهوب القادر على الوصول إلا: وجه المسألة بصورة لم يسبق إليها، ولهذا عند انعدام مثل هذا (الرجل) يحصل الإجماع على المسألة المنظورة مع (خلاف) قد يقع.
- حمد. م. م. المجمعة..
زهير بن أبي سلمى/ من بني أسد.
الإمام (سعيد بن منصور) صاحب السنن من (مرو).
الإمام سفيان الثوري من قبيلة (سُبيع).
الإمام الطحاوي من (طُحا) من: مصر.
الإمام الأوزاعي من (لبنان) من: أوزاع.
الجاحظ من : العراق.
أما (الشيباني) هكذا فبعضهم إلى: عتيبة، وبعضهم إلى: عنزة.
- راجح بن بدر بن عيضة السفياني، الطائف..
- موضي بنت قدار الحبيب الزهراني، الطائف.
أقدر كلما.. التواصل.. كثيراً (وربي لا تذرني فرداً وأَنتَ خير الوارثين).
الرياض