كانت الحدود الإقليمية، والسياسية، والحواجز البعيدة، والجهل المتفشي في البلاد العربية عوامل قطيعة إجبارية على الشعوب العربية، فلم يعرف أدب غير أدبين قامت النهضة العربية الحديثة عليهما في القرن العشرين، هما مصر، وبلاد الشام، حيث تقدم العلم فيهما عن غيرهما من البلاد العربية، فنهضة مصر قامت على أكتاف الشوام المهاجرين، من جور الدولة العثمانية المتحيزة إلى المسلمين دون غيرهم، فأسس أولئك المهاجرون الصحافة في مصر، بعد أن كانت في لبنان، إضافة إلى التعليم الذي بدأ مبكرا في بلاد الشام، في القرن الثامن عشر عن طريق الإرساليات المسيحية في جبل لبنان، حيث كتبوا الرواية التاريخية على نمط الرواية الغربية، لما كانوا يتمتعون به من إجادة لبعض اللغات الأوروبية(1)، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، جورجي زيدان، ويعقوب صروف، وبطرس البستاني، وغيرهم. وانتشر هذا الأدب بفضل الصحافة وأجهزة الإعلام المسموع والمرئ والمقرؤ، إضافة إلى المسرح الذي جذب إليه عددا كبيرا من الكتاب والممثلين والمخرجين من البلاد العربية التي لم يتوفر فيها المناخ المناسب للظهور، مثلما حصل مع أبي سليم القباني، من سوريا عندما لم يتمكن من الاستمرار في مسرحه في دمشق(2)، وأسست المدارس في البلاد العربية لمحو الأمية ولتثقيف الشعب على الطرق الحديثة، وكانت السعودية من البلاد التي اهتمت بمسألة التعليم والتثقيف،وأرسل الملك عبد العزيز مجموعة من الطلاب إلى مصر للدراسة في جامعاتها، واهتم المثقفون بالقصة والخطابة وتحسين اللغة بعد العهد العثماني البائد(3)وظهرت الصحافة على أنقاض الصحافتين، العثمانية والهاشمية، وكانت صحافة أدبية لنشر الثقافة بين جماهير الشعب الذي تغلب الأمية على أكثر من تسعين في المائة منهم(4) ووجد المسئولون عن الثقافة أن الصحافة موجهة للنخب المثقفة، ولكن ما يمكن فعله أن توجه إلى العامة من الشعب باللغة الشفاهية المبسطة لتعم الفائدة أكثر وليصل الصوت الثقافي إلى عموم الشعب،فأنشئت الإذاعة في يوم عرفة 9 من ذي الحجة 1368 - 1 أكتوبر 1949، وكان من اهتماماتها نشر الثقافة والتركيز على الأدب، من شعر وقصة ومسرحية وتمثيلية، وحوارات أدبية، ونصت موادها الأساسية على أن تكون لغتها مبسطة ليفهمها الجميع من المستمعين، وكل الطبقات والمهن، فكان هناك ركن البادية، وركن المزارعين،وركن الجيش والقوات المسلحة، والتثقيف الصحي، ثم برنامج الحرس الوطني، وغيرها من المواد(5) وكان اهتمام الإذاعة بالثورة الجزائرية منصباً على أخبار المجاهدين والثوار، وكان بعض المترجمين من اللغة الفرنسية ينقل بعض المواد من الصحافة الفرنسية، ومنهم الكاتب والقاص الجزائري المتنازع عليه بين السعودية والجزائر، أحمد رضا حوحو، أحد هؤلاء المترجمين، وكان الملك سعود من المهتمين بقضية الجزائر، على المستويين(الشعبي) والإعلامي) فكانت تجمع التبرعات للمجاهدين، مما رسخ استقبال الأدب الجزائري على المستوى الشعبي، والذي سنتحدث عنه بعد قليل، وأقيمت الأفراح في عهده على مدى ثلاثة أيام عطلت فيها الدوائر الحكومية ابتهاجا بهذه المناسبة. واستقبل الأدب الجزائري- بصفة خاصة على ثلاثة مستويات، فهو أدب له خصوصية فرضتها عدة أمور، منها العزلة الطويلة عن اللغة العربية، فجاء في بداياته أدب هجين- إن صح لنا التعبير- حيث كتب باللغة الفرنسية في بداية التحرير، لكن الفكرة التي يدور حولها والثقافة التي بني عليها ثقافة عربية جزائرية، يظهر ذلك في كتابات الروائي والشاعر(كاتب ياسين) والروائي محمد ديب، والكاتبة (آسيا جبار) وعدد كبير من الكتاب الجزائريين الذين أرادوا أن يخاطبوا الشعب بلغة يعرفها جيدا على مختلف أطيافه، لكن هذا الأدب لم يستقبل في البلاد العربية بسبب هذه اللغة التي لا يجيدها إلا عدد قليل من المثقفين، لكن الحالة تغيرت بعد الانفتاح الفضائي والمعارض الدولية وانتشار اللغة العربية في المطبوعات، وسنفصل في هذا الموضوع في الحلقات القادمة:
1 - انظر، الدكتور، سلطان بن سعد القحطاني (العلاقة الجدلية بين الرواية والتاريخ) ملتقى نادي الباحة الأدبي، من 18-20-9-2012م.
2 - من أوراق الندوة الكبرى لنزار قباني، دمشق صيف 2005.
3 - انظر، حسن محمد كتبي (هذه حياتي) ص42، دار القاهرة، 1979م.
4 - انظر، الدور الثقافي والأدبي للإعلام السعودي، وزارة الثقافة والإعلام، 2003
5 - انظر، ص60، المصدر السابق.
الرياض