الملخـص : تعرّف الإنسان على البيئة الجغرافية التي تحيط به منذ نشأته الأولى على الأرض، مثلما تعرفت الكائنات الأخرى على هذه البيئة، وتميز الإنسان عن باقي المخلوقات بقدرته على التكيف مع البيئات المختلفة والتنقل بينها.
أمّا التاريخ فكما يقال أحداث تجري على مسرح الجغرافية؛ لأنه تدوين لمجريات حياة الإنسان على الأرض، بصفته سجلاً منتقى للأنشطة البشرية في مختلف مجالات الحياة، وفي كل الأحوال فإن الحدث يرتبط بالمكان، بل غالباً ما يكون المكان سبباً للحدث نفسه، فالتاريخ يتحدث عن غزوات وفتوحات وحروب وهجرات، كثيرًا ما تقف الدوافع الجغرافية وراءها.
وقد استدعت طبيعة حياة العرب المعتمدة على التّرحال في الصحاري المترامية الأطراف أن يعرفوا المسالك والدّروب، وأماكن عيون الماء وبطون الأودية وتغيّرات الطقس، وأوقات الرياح والأمطار.
وتزخر مقدمة القصيدة الجاهلية، بفيض من أعلام المنازل والديار، ولا يخلو متنها من ذكر الأماكن على تفاوت في الموضوعات التي ترد فيها، والمتأمل في تراث العربية، يجد أن جلّ الأعلام الجغرافية إنما تتمركز على جوانب طرق القوافل والحج، مما يشير إلى السبب الذي أدى بالناس إلى إطلاق الأسماء عليها.
ولقد شق المنهج المعجمي طريقه إلى المصنفات الجغرافية العربية؛ وكان (معجم ما استعجم) للبكري في القرن الخامس الهجري أول تلك الأعمال التي سبقت المعاجم الغربية.
تُعدّ المؤلفات الجغرافية من مصادر التاريخ الإسلامي المكتوبة، ذلك أنّ التاريخ والجغرافية كانا في نظر العرب فرعين متلازمين من شجرة المعارف العامة التي كانوا يطلقون عليها اسم الأدب بوجهٍ عام، وكانت المؤلفات في بداياتها مقصورة على الجزيرة العربية.
ويمثل ما ألفه ابن خميس من مؤلفات عنيت بالدراسات الجغرافية والتاريخية، امتدادًا للتفكير الجغرافي اللغوي العربي، حيث خصصها لمظاهر الحياة الجغرافية والتاريخية وأحداثها في الجزيرة العربية بصورة عامة، ومنطقة اليمامة بصورة خاصة.
وقد اتجه الاهتمام في هذا العمل، نحو دراسة مدونة واحدة من مؤلفات ابن خميس، وهي: معجم اليمامة.
من منظور لساني، دراسة تحليلية للجوانب اللغوية، اعتماداً على التدقيق والملاحظة بهدف الكشف عن القضايا اللغوية التي حواها، وما فيه من آراء لعلماء اللغة، وشواهد من كلام العرب شعراً ونثراً، وهو الجانب الذي لم يأخذ كفايته من العناية في البحث اللغوي المعاصر.
وقد بنيت هذه الدراسة على ثلاثة محاور: المحور الأول: يعطي نبذة موجزة عن التأليف الجغرافي والتاريخي عند العرب، ثم عن مؤلفات عبدالله بن خميس مع التركيز على المدونة الخاصة بالدراسة.
المحور الثاني: يسلط الضوء على مقدرة تلك الشخصية الموسوعية على المساهمة في ربط اللغة بعلم الجغرافيا؛ وإبرازالملامح اللغوية العامة التي يتضح من خلالها أسلوب التفكير اللغوي لديه؛ بدراسة أهم القضايا اللسانية في المدونة دراسة لغوية تحليلية، تندرج تحت مستويات التحليل اللغوي، (الصوتي منها، والصرفي، والنحوي، والمعجمي، والدلالي)، مع إيضاح أهم المجالات التي يبحث فيها كل مستوى من هذه المستويات اللغوية، وربطها ما أمكن بأمهات كتب اللغة والنحو والصرف والمعاجم.
المحور الثالث: يركز على تجليات العمل المعجمي عند ابن خميس؛ فقد اهتم بالناحية المعجمية، فعمد إلى شرح الألفاظ لغوياً على النحو الذي تنحوه المعاجم، ثم أورد معناها الاصطلاحي الذي يدل على الأعلام من أماكن وجبال ومياه وصحارى ونبات ومعادن، ويؤكد هذا الاهتمام على زيادة النزعة المعجمية لديه، ووعيه العميق بالمستويات اللغوية، من نحو وصرف وبلاغة ودلالة ولهجات.
ويلي هذه المحاور عرض لأهم النتائج التي توصلنا إليها، ما يؤكد أنّ ابن خميس قد استوعب المعارف العربية؛ أديباً ولغوياً له اهتمام بالمعجم وأدبياته، وأنه لا يمكن الدخول إلى عالمه ذي التنوع المعرفي ما لم يوضع في إطاره الموسوعي الذي كان سمة من سمات أقطاب الثقافة العربية في عصورها الأولى.
أستاذ اللسانيات المشارك - قسم اللغة العربية -جامعة الملك سعود