| |
إشكاليات في الخطاب المدرسي د. صالح بن ناصر الشويرخ
|
|
يعاني خطابنا المدرسي من مشكلتين أساسيتين: الأولى أنه أحادي الاتجاه يتفرد به المعلم ويستأثر به، وليس للطالب فيه أي دور يذكر إلا في الإنصات والاستماع والرد على استفسارات المعلم والاستجابة لما يقول، دون أن يكون له دور في تشكيل هذا الخطاب والتأثير فيه، فهو عبارة عن رسائل موجهة من المعلم إلى الطالب، فالمعلم مرسل والطالب مستقبل. وتشير الدراسات الحديثة إلى أن هذا النوع من الخطاب لا يمكن أن يفضي إلى تعلم حقيقي، إذ يجب أن يكون الخطاب الصفي ذا اتجاهات مختلفة من المعلم إلى الطالب، ومن الطالب إلى المعلم، ومن الطالب إلى الطالب، وأن يحدث ذلك على كل الأصعدة وفي مختلف المواد الدراسية، لأن الخطاب الصفي يجب أن يشارك الجميع في بنائه ولا يكون حكراً على المعلم بحيث يتحكم فيه تحكماً كاملاً، بل يتبادل المعلم والطلاب دوري الإرسال والاستقبال. لذا يجب تحويل الخطاب المدرسي من خطاب يتحكم به المعلم تحكماً تاماً إلى خطاب مدرسي تشاركي يسمح للطالب بأخذ زمام المبادرة في التحدث وطرح الأسئلة ويتيح له الاعتراض والرفض والقبول، فالخطاب الصفي الأحادي التوجه يقلل الفرص المتاحة للطالب ليتعلم تعلماً حقيقياً. أما المشكلة الثانية التي يعاني منها خطابنا المدرسي فتتمثل في كونه خطاباً وعظياً بالدرجة الأولى يعتمد على التلقين والتوجيه والإرشاد وكأن المعلم يملك الحقيقة متفرداً بها دون أن يسمح للطالب بمناقشة ما يسمعه وما يوجه إليه من نصائح، ودون أن يترك للطالب حرية التعبير عن رأيه فيما يطرح ويدلي بدلوه في القضايا التي يتم التعرض لها. وهذا الخطاب يؤسس في طلابنا وطالباتنا قبول ما يسمعونه دون تمحيص أو تدقيق، وهذه مسألة خطيرة جداً لها آثار مدمرة على الطالب وعلى المجتمع ككل، لأن التأثير في مثل هذه العينة من الطلاب من قبل بعض أصحاب الأفكار المنحرفة والشاذة يصبح عملية سهلة. ونحن نشتكي من أحادية الخطاب في مجالات متعددة دينية وسياسية واجتماعية، ومما لا شك فيه أن ما يؤسس ويغرس أحادية الخطاب في نفوس أبنائنا هو الخطاب المدرسي الذي يتعرضون له ساعات طويلة كل يوم، ويتأثرون به تأثراً كبيراً. إن نجاح حركة الحوار التي دعا إليها المليك المفدى لن تنجح إذا بقي الخطاب المدرسي المتفشي في مدارسنا على ما هو عليه. إن غرس مفاهيم الحوار وقبول الرأي الآخر لن تتم من خلال ملتقيات الحوار الوطني التي تجوب مناطق المملكة، بل هي بحاجة إلى غرسها في نفوس الناشئة منذ دخولهم المدرسة حتى وصولهم إلى مقاعد الدراسة الجامعية، ومن ثم انتقالهم إلى ميادين العمل المختلفة. إن السعي إلى تغيير الخطاب المدرسي خطوة مهمة في محاربة التطرف والغلو، فالطالب الذي يتربى على المشاركة في الخطاب الصفي والإسهام في تشكيله من خلال الإدلاء برأيه فيما يطرح من قضايا لن يكون فريسة سهلة لأصحاب الأفكار الضالة، ولن يتم التأثير فيه بسهولة، فهو قد تعود منافشة ما يسمعه وتدرب عليه سنوات طويلة. ولا أقصد هنا أن يتجرأ الطالب على معلمه أو أن تتعرض مكانة المعلم إلى المهانة، ولا أقصد كذلك أن معلمينا ومعلماتنا سوف يسعون إلى إفساد أبنائنا وبناتنا (رغم أن ذلك قد يحصل حتى وإن كان على نطاق ضيق)، فالهدف من تغيير طبيعة الخطاب المدرسي ليس لأننا لا نثق بمعلمينا ومعلماتنا فهم مصدر ثقة ودعم، ولكن الهدف من ذلك هو تدريب طلابنا على النقاش والحوار والقبول والرفض والمجادلة بالتي هي أحسن، وكلها صفات وخصائص ضرورية تمنع طلابنا وطالباتنا من الانجراف وراء أي فكرة أو رأي قبل تمحيصها والتدقيق فيها والنظر في مساوئها ومحاسنها وتبعاتها ومناقشة صاحبها. وهذه الأهداف السامية التي أثق أن الجميع يتفق معي في أهميتها لن تتحقق إذا ظل الخطاب المدرسي لدينا على ما هو عليه. ولا أريد أن ينصرف ذهن القارئ إلى الاعتقاد بأنني أقصد بالخطاب الوعظي الخطاب الديني أو ذلك الصادر من معلمي التربية الإسلامية، بل أقصد الخطاب المدرسي بعامة سواء الخطاب المتصل بالعلوم الشرعية أو العلوم الأخرى الصادر من جميع المعلمين، وكذلك الصادر من الإدارة المدرسية ومما ينشر في المدرسة عن طرق الإذاعة المدرسية والملصقات والنشرات، فكل هذه القنوات تعتبر في رأيي مصادر للخطاب المدرسي الوعظي الأحادي التوجه الذي يتعامل مع الطالب على أنه إمعة لا يفهم شيئاً أو أنه وعاء فارغ يجب ملئه بالتعليمات والإرشادات التي يجب عليه تطبيقها دون نقاش أو تمحيص أو تفكير. ولا أعتقد أن أحداً يمكن أن يختلف معي في أن هذا النوع من الخطاب لن ينتج طلاباً متميزين يتصفون بالإبداع والابتكار. وأستثني من ذلك الخطاب الديني المتعلق بالأوامر والنواهي القاطعة غير القابلة للنقاش، فموقف الطالب والمسلم بعامة تجاه هذه الأوامر والنواهي التسليم والالتزام، وهي (أقصد الأوامر والنواهي القاطعة) على كل حال لا تمثل إلا نسبة محدودة مما يتعرض له الطالب في المدرسة.
|
|
|
| |
|