البسطاء والطفرة والقروض!
مصطفى محمد كتوعة

حسب الإحصائيات الحديثة التي أصدرتها مؤسسة النقد العربي السعودي قبل فترة ارتفع حجم القروض الاستهلاكية وقروض البطاقات الائتمانية في المملكة بنهاية الربع الثالث من العام الماضي 2005م لتصل إلى 168.8 مليار ريال بنسبة زيادة بلغت 42.3% مقارنة بالفترة المقابلة من عام 2004م، وبلغ مجموع القروض الاستهلاكية حتى الربع الثالث لوحده بلغ 164.6 ريالا بينما بلغ إجمالي قروض بطاقات الائتمان لنفس الفترة السابقة أكثر من 4.1 مليارات ريال، وتنوعت مجالات القروض بشكل رئيسي بين التمويل العقاري وبلغ 12.3 مليار ريال ومجال شراء السيارات وبلغ 36 مليار ريال.
بالطبع مبالغ كبيرة بل طائلة في مجالات استهلاكية مثيرة للقلق، والحقيقة أنا ممن يغرق في الأرقام، لكن هذا لا يمنع من قراءتها خاصة إذا كانت تتعلق بتفاصيل حياة الملايين من الناس البسطاء كأموال المساهمات والمضاربات في بورصة الأسهم التي عصفت بالملايين منها، وقبضوا الريح وتعرضت حياتهم لهزات اقتصادية واجتماعية لا يمكن تجاهلها، أو حجم القروض الاستهلاكية كالتي أنبأنا به تقرير مؤسسة النقد عن نشاط البنوك، هذه القروض لا شك أنها تتماشى في حجمها مع الطفرة التي يعيشها الاقتصاد السعودي في الفترة الحالية، ولا شك أن هذا التوجه من البنوك لاستثمار الطفرة في زيادة رأسمالها وأرباحها جعل أنظارها ودراساتها تتجه إلى الوصول إلى جيوب البسطاء ومتوسطي وربما محدودي الدخل عبر القروض الاستهلاكية.
هذه الظاهرة سبقتنا إليها دول عدة، وتسببت في مشاكل كثيرة بسبب الديون للبنوك، ونتج عن ذلك مشاكل لا حصر لها، وها هي باتت تطوق أعدادا كبيرة من مجتمعنا ممن أغرتهم تيسيرات البنوك وشركات التقسيط، وكنا نتمنى لو أن استغلال الطفرة من جانب البنوك كان في شكل استثمار أفضل في طاقات الشباب وخبراتهم بدعم مشاريعهم الإنتاجية وفق دراسات جدوى وإشراف مسؤول من الغرف التجارية ووزارة التجارة وتنظيم من جانب مؤسسة النقد لتمكين شرائح واسعة من شباب الخريجين لإقامة مشروعات، وحتى الخريجات اللاتي يرغبن في تأسيس مشاريع صغيرة إنتاجية، فهل تأتينا الطفرة وتستثمرها الحكومة في مشروعات هادفة منتجة توفر مئات الآلاف من فرص العمل للخريجين، بينما نجد البنوك تعمق الاتجاه الاستهلاكي في عصر نشهد فيه سعارا على الاستهلاك خاصة لمتوسطي ومحدودي الدخل الذين يرون حال الدنيا وهو يخاطب رغبات الناس في شراء كل جديد وامتلاك كل ما تأتينا به التكنولوجيا من أجهزة منزلية وهواتف وسيارات، وبدلا من أن يبحث الشاب عن مشروع أو شيء نافع نجده يسارع إلى تغيير سيارته وجواله والأجهزة الإلكترونية الخاصة به، وطبعا الأسرة بشكل أكبر تتولد لديها رغبات استهلاكية مفلوتة) لاقتناء الجديد من الأجهزة، أو حتى لسداد ديون وليس لهم سبيل إلا الاقتراض ثم وتطوير الأموال كالدخان في الهواء وتتوزع على الشراء من هنا وهناك.
الواقع أن هذه القروض وإن بدت أنها تحل مشاكل تمويل في لحظة ما، إلا أن طابعها الاستهلاكي من جانب المقترضين، وهذا خطأ آخر ترك آثارا سلبية على المعيشة نظرا لالتزام المقترضين بسداد أكثر من قرض في وقت واحد بعد أن أغرته البنوك ولا تزال بالتسهيلات غير المسبوقة، ليعانوا بعد ذلك من التزامات القروض وتبعاتها التي تتحصلها البنوك بنسبة عالية، وكأن الطفرة الاقتصادية فرصة لثراء الأثرياء أصلا.. أليس من الأجدى أن تتجه نسبة أساسية من هذه القروض الطائلة إلى دعم مشاريع الشباب، وما زلنا نتطلع إلى الجهات الحكومية المعنية بتعزيز هذا الاتجاه لصالح مستقبل شبابنا قبل أن تذهب عنا الطفرة لا سمح الله ونجد نفسنا في دائرة مازلنا ندفع ثمنها عندما جعل المجتمع من الطفرة الأولى فرصة استهلاكية لم يحصد منها سوى السراب.. نسأل الله السداد للجميع.
حكمة:
قال تعالى:{.. وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}(31)سورة الأعراف