لا يمكن فهم موقف المملكة، والمثمثل باعتذارها عن عضوية مجلس الأمن، إلا من خلال متابعة الحراك السياسي العالمي خلال العامين الماضيين، فهناك ارتباك واضح، أو إرباك من لدن صانع القرار الأمريكي، ومن خلفه العالم الحر!، فالذين طالبوا الرئيس مبارك بالتنحي تفاعلا مع رغبة الشعب المصري، هم ذاتهم من وقف، ولا يزال يقف ضد رغبة الشعب المصري - ذاته-، وذلك عندما خرج إلى الشوارع، والميادين مطالبا بتنحية تنظيم الإخوان المسلمين من الحكم، وهذا لعمري منتهى التشويش، والإرباك، والتلاعب بعواطف الشعوب المغلوب على أمرها، وكان واضحا أن الولايات المتحدة، ووراءها الغرب قد تحالفوا مع التنظيم الدولي للإخوان، ولا يراودني شك بأن الأمور لن تهدأ في مصر طالما أن إدارة أوباما تمارس مثل هذا التشويش، والإرباك على أعلى مستوى مفضوح.
ودعونا نتوقف عند القضية السورية، إذ إن بإمكان أمريكا أن تمارس نفوذها في مجلس الأمن فيما يخدم الثورة السورية، كما تفعل دوما عندما تريد، إلا أنها مارست دوراً تمثيلياً بامتياز، فقد كان موقفها في الإعلام مناهضاً للأسد. هذا، ولكن موقفها في مجلس الأمن كان ضعيفا، ومترددا، ثم جاءت الطامة الكبرى، حينما أوهمت العالم بأنها بصدد ضرب النظام السوري عسكريا، ثم ما لبثت أن كافأت نظام بشار بالاكتفاء بتدمير أسلحته الكيماوية!، وهذا يؤكد ما كتبنا عنه مراراً من أن أمريكا تقف من ثورة سوريا على ذات المسافة، تماما كما روسيا، والصين، وذلك في لعبة أممية شبه مكشوفة، فهم يختلفون في العلن، ويتفقون في السر، ولعل هذا هو الذي جعل المملكة تتخذ قرارها الاحتجاجي بالاعتذار عن عضوية مجلس الأمن، وهو القرار الذي يعني رفضها لمثل هذه الألاعيب السياسية المكشوفة، خصوصا إذا ما كانت تضر بمصالحها.
عهد الجميع عن المملكة مواقفها العادلة، والمتزنة، وحلمها السياسي. هذا، ولكنها هذه المرة اضطرت إلى المواجهة، ونهج السياسة الخشنة، لأنه ليس من المعقول أن تذهب جهود ثوار سوريا هباء، بعد كل التضحيات الجسيمة، وما اعتذارها عن عضوية مجلس الأمن إلا تعبير عن ذلك، وربما أن التقارب الأمريكي- الإيراني قد ساهم في اتخاذ قرار الاعتذار، مع أنني أعتقد أن أمريكا لم تكن عدوا لإيران يوما، وما يحصل بينهما هو أحابيل سياسية، يتم من خلالها التباعد، والتقارب، حسب الظروف، والمعطيات، ويخطئ في نظري من يعتقد أن أمريكا كانت عدوة لإيران نجاد، وصديقة لإيران روحاني، فكلا الاثنين دمى في يد صاحب السلطة الحقيقي، الولي الفقيه، علي خاميني، ومع أنني أعتقد أن وجود المملكة في مجلس الأمن هام جداً، وقد يساهم في التأثير على بعض القرارات، إلا أن اعتذارها، في هذه المرحلة الحساسة، والدقيقة يوحي بأنها ترى أن أهمية الاعتذار أكبر من أهمية تواجدها في عضوية المجلس، فهي ربما رأت أن تعليق الجرس حول مجلس الأمن، وهزالة قراراته، وانخفاض مستوى تأثيرها على السلم العالمي أكثر أهمية من أي شيء آخر، فما الفائدة من عضوية مجلس الأمن، وهو في حالة هزال، وضعف لم يمر بهما منذ تأسيسه.