لم يكن مستغربا ردة فعل عدد من الدول والمنظمات الدولية تجاه موقف المملكة باعتذارها عن مقعد مجلس الأمن للدورة القادمة للأعضاء غير الدائمين والتي ستبدأ مع مطلع عام 2014م ولمدة عامين.
لم يكن مستغربا أن تكون هناك ردة الفعل، ولكن المستغرب هو ردة الفعل العنيفة تجاه موقف المملكة وما تلاه من مواقف دول وتصريحات مسئولين وتقارير منظمات دولية عن المملكة.
لقد هيمن موقف المملكة من مجلس الأمن على أبرز الأحداث السياسية خلال الأسبوعين الماضين، وظهرت مقالات كثيرة وافتتاحيات صحف وتحليلات إعلامية عن تداعيات هذا الموقف على المملكة داخليا وإقليميا ودوليا. ونحسب أن هذه العداءات التي رفعتها بعض الدول والمنظمات تأتي في إطار تصفية حسابات معينة مع مواقف المملكة الإقليمية والدولية، ومحاولة التأثير على هذه المواقف.
لقد لاحظ المراقبون الدوليون خلال السنوات الماضية وخاصة خلال السنتين الماضيتين بشكل خاص أن مواقف المملكة اتسمت بالجرأة الكبيرة على المسار الاعتيادي الذي كانت تسلكه المملكة في سياستها الخارجية. وهناك ثلاثة أحداث مهمة في المنطقة استلزمت دخول المملكة بقوة في محاولة التأثير على مجرياتها وتتمثل في أحداث في مصر وسوريا وإيران. ولا شك أن المملكة من حقها أن تعبر عن مصالحها الاستراتيجية في أحداث المنطقة، ومن حقها أن تدافع عن هذه المصالح وأن تتدخل حتى لو علنا في التأثير على الأوضاع بما يخدم تحقيق هذه المصالح أو الحيلولة دون إضعاف مصالحها في المنطقة بغض النظر عن مصالح الدول العظمى.
كل دول العالم تعبر عن مواقفها بشفافية وصراحة وعلنا عندما تكون هناك مواقف أو أحداث مهددة لأمن واستقرار تلك الدول ويجب أن يكون تفهم دولي لتلك المصالح، والمملكة عبرت عن استيائها من الدور الذي لعبه مجلس الأمن في منطقة الشرق الأوسط. وكيف أن مجلس الأمن أصبح غطاء لمصالح دول عظمى على حساب مصالح دول وشعوب المنطقة. ونعلم - كما ذكرت في مقال سابق عن ضرورة إصلاح نظام مجلس الأمن بتاريخ 26 سبتمبر الماضي- أن الولايات المتحدة ذاتها قد استخدمت حق النقض الفيتو في مجلس الأمن حوالي ثمانين مرة نصفها كان تعطيلا لقرارات مجلس الأمن بهدف الدفاع عن المصالح الإسرائيلية. كما نعلم أن أكثر استخدامات روسيا مع إرثها السياسي السابق (الاتحاد السوفيتي) لحق النقض الفيتو كان ضد استقلال جمهوريات تابعة للاتحاد السوفيتي أو الروسي، وآخرها الاستخدام للفيتو ضد ثلاث قرارات عن الأزمة السورية الحالية.
وقد أثيرت في سياقات هذا الموضوع العلاقات السعودية الأمريكية المتوترة منذ حوالي السنتين على خلفية الأزمة السورية أولا، والدعم السعودي للتغير الشعبي في مصر ثانيا، والتقارب الأمريكي الإيراني ثالثا، ونعتقد أن جميع هذه الأحداث تثير الشك حول مواقف أمريكا في المنطقة ومن حق دول المنطقة ومن بينها المملكة أن تسجل احتجاجها في إطار العلاقات السعودية الأمريكية الاستراتيجية. ويمكن أن نقول إن هناك فتورا في هذه العلاقات أفرزتها مواقف الولايات المتحدة من تلك الأحداث. وامتعاض وسائل الإعلام الأمريكية من المملكة جاء بشكل خاص من الاحتجاج الضمني الذي قرأته في موقف رفض مقعد مجلس الأمن على أنه احتجاج على التقارب الأمريكي الإيراني الذي قد يؤدي إلى إقفال ملف السلاح النووي الإيراني الذي يخدم إسرائيل بالدرجة الأولى. كما أن كثيرا من مواقف الدول العظمى قرأ موقف المملكة على أنه تعال على مجلس الأمن وتمرد على سياساته الدولية.
وقد حققت المملكة من خلال قرارها الذي فاجأ العالم الكثير من الإيجابيات حيث لفتت الانتباه إلى الأزمة التي تعيشها كثير من دول وشعوب العالم مع قرارات مجلس الأمن وعجزه عن فرض الأمن والسلم الدوليين الذين يعدان من أولوياته. ومعظم إخفاقات مجلس الأمن انعكست على تردي الأمن والسلم في منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، فقضية فلسطين لا تزال دون حلول حقيقية منذ خمسة وستين عاما ولعب مجلس الأمن دورا في تعطيل كثير من القرارات التي تصب في صالح الشعب الفلسطيني، كما أن مجلس الأمن بقي عاجزا عن تحقيق وتنفيذ قراراته التي اتخذها بالإجماع وخاصة القرار 242 الذي يقضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967م. وغيرها كثير من القرارات الدولية.
وفي ظل الظروف الحالية وتداعيات الهجوم الإعلامي والسياسي على مواقف وسياسات المملكة نحتاج إلى الاستفادة من مثل هذه الأحداث والبحث عن بدائل إستراتيجية تضع المملكة على خط الأمان الإقليمي والدولي..
يتبع