أوردت إحدى الصحف أن السياق اللغوي بين النفي والتمثيل في مفردات رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ساهم في إحداث لبس أفضى بمحرر تلك الصحيفة إلى خطأ أدى إلى نشر تصريح على لسان رئيس الهيئة يفيد (أن الرشوة واستغلال السلطة والتصرف بالمال العام من أوجه الفساد “غير المقصود”،
وقد نشرت تلك الصحيفة هذا التصريح بعنوان “الرشوة فساد غير مقصود” وقد عقبت الهيئة على الصحيفة بتصريح أوضحت من خلاله أن المقصود في هذا التصنيف بين ما هو مقصود وغير مقصود هو (أن التقصير والإهمال في بعض صفاته قد يكون مقصوداً من الممارسين سواء المنفذين أو الاستشاريين أو المسؤولين في الجهات الحكومية في المتابعة والمراقبة، وهذا يوصف بأنه إهمال يندرج ضمن مفهوم الفساد وأن ذلك قد لا يكون فساداً مقصوداً كالرشوة واستغلال المال العام وإساءة استخدام السلطة)، وقد اعتذرت الصحيفة مشكورة عن هذا اللبس، والخطأ الذي تم والذي كان بالنسبة للكثيرين مادة دسمة للتعيلق تارة والتندر تارة أخرى، إذ حرص الكثير على أن يصنفوا الفساد بعد ذلك التصريح إلى نوعين أحدهما مقصود والآخر غير مقصود متعجبين بشأن أن تكون الرشوة فساداً غير مقصود.
وقد جاء هذا الاعتذار من الصحيفة في نفس الأسبوع الذي عُقِدت فيه ورشة عمل تتحدث عن دور الإعلام في تعزيز قيم النزاهة ومكافحة الفساد، وقد حرصت هذه الورشة على التأكيد على حماية الصحفيين من التهديدات التي يتعرضون لها سواء كانت من جهات أو شخصيات نافذة، في المقابل أكدت الورشة أن الصحفيين يتعرضون لكثير من الإشكاليات جراء كشفهم للفساد مما يضطرهم للتراجع، وعلى الرغم من وجود مثل هذه الإشكاليات إلا أن ورشة العمل لم تتحدث بعض أخطاء الصحفيين في المقابل والذين يسعون إلى طرح بعض القضايا دون التأكد من مصادرها وتقودهم في أحيان أخرى الإثارة الصحفية إلى الاجتهاد في طرح بعض القضايا بأسلوب يختلف كلياً عن الحقيقة، بل إن البعض قد تجاوز هذا الحد لتصبح تلك الأخبار الصحفية والقضايا وسيلة ابتزاز يسعى من خلالها للحصول على منافع ومكتسبات مقابل عدم نشر بعض المواضيع المثيرة والتي قد لا يكون لها أساس من الصحة.
الفساد موجود بل ومتعمق في جذور بعض الجهات ولا يجادل في ذلك إلا مكابر بل هو اليوم أكثر مما هو عليه قبل سنوات وهو منتشر في المستويات الإدارية العليا والوسطى أكثر منه في المستويات الدنيا وهذا ما أكدته دراسة حديثة خاصة بمنتدى الرياض الاقتصادي والتي حملت عنوان “الفساد الإداري والمالي.. الواقع والآثار وسبل الحد منه” حيث أشارت إلى أن درجات الفساد الإداري والمالي تتمحور حول الواسطة بنسبة 92 % وإساءة استخدام النفوذ بنسبة 80 % مؤكدة أن أهم أسباب انتشار الفساد يعود لضعف الوازع الديني والتساهل مع مرتكبي الفساد وغياب الشفافية والوضوح وضعف اللوائح.
لقد جاءت الهيئة لتجد إرثاً كبيراً من الفساد ولن تستطيع أن تقضي على هذا الإرث الضخم في وقت قصير ولكن في المقابل عليها أن تضع لنفسها خارطة طريق تعمل من خلالها ولعل في توصيات الدراسة أجزاء مهمة من تلك الخارطة يأتي في مقدمتها عمل نموذج قياس الفساد في المملكة العربية السعودية بالتنسيق مع أجهزة الدولة الأخرى إضافة إلى تحديث الأنظمة وتعزيز دور مجلس الشورى ومنحه الحق في مناقشة الحسابات الختامية للدولة قبل إقرارها وكذلك اختيار القيادات الإدارية المميزة والربط بين التجديد للمسؤولين وبين أدائهم الوظيفي خلال فترة عملهم إضافة إلى تفعيل إقرار الذمة المالية.
إن كثيراً من مؤسسات الدولة تسعى جاهدة لتحسين وتطوير الأنظمة لخدمة المواطنين غير أن بعض قيادات تلك المؤسسات يقعون فريسة لبعض المؤسسات الإعلامية والتي تجد في تصريحاتهم مادة دسمة تحمل في طياتها الكثير من الإثارة، ولذلك فالأولى لأولئك القياديين أن يقللوا من التصريحات ويتركوا النتائج والأعمال لتصرح نيابة عنهم.