قدم تلميذ صغير بإحدى ابتدائيات (الليث) ريالاً هو مصروف فسحته لذلك اليوم لزميل له لا يعرفه حين لاحظ أنه لم يشتر شيئاً وعرف أنه لا يملك النقود، وعلم معلمه بالموقف فبادر إلى نشر قصته بين المعلمين الذين أكبروا فيه هذه الروح الإيثارية، والتفاني التلقائي، فكانت هديتهم له تشجيعاً وثناءً مبلغاً من المال، يمكن للآباء والتربويين أن يستخلصوا من القصة جملة من المعاني التي حثّ عليها ديننا الإسلامي ونادت بها التربية الإسلامية، ثم إنها تدل على أن هناك من المعلمين من يكرّسون هذه المعاني الراقية ويقدمون صوراً أبوية تربوية رائعة، نافين بذلك أقاويل تحاك ضد رسالتهم السامية، وأنها لا تخص إلاّ قلة محدودة جداً من قليلي الخبرة في هذا المجال، هنا ورد إلى ذهني قصة روتها طالبة في المستوى الثانوي عن معلمة مجتهدة في مجال عملها اجتهاداً ربما صرفها عن الأهداف التربوية، فمثال على ذلك أنها قد تميل لطالبة جيدة في مجال المشاركة فتزيدها علامة في الاختبارات، غير أنها ومن باب (الذمّة) تخصم هذه العلامة من طالبة قد تكون أقل مشاركة وتبرر ذلك بأن لديها فتوى من شيخ بهذا الشأن!! كما أنها تطالب بالفهم دون الحفظ ثم عند تصحيح الاختبارات الشهرية تتحجج بعدم إيراد النص، وكنموذج لأسئلة الخيارات: جاءت بهذا السؤال ( حددي اثنين مما يلي ممن بايعوا بيعة الرضوان تحت الشجرة)؟ ركزوا على تحت الشجرة، وفي الأسماء من قد بايعوا ولكن ليس تحت الشجرة كعثمان، فتختار الطالبات اسمين من المبايعين وتكون الإجابة خاطئة لأنها موّهت بالشجرة رغم أن هذا ليس بيت القصيد في مسألة البيعة، فهي نموذج للمعلمة التي قادها اجتهادها المبالغ فيه إلى ممارسات لا تمت للمهنة بل ربما ناقضت أهدافها.
قصة التلميذ الذي تبرع بمصروفه لزميله وموقف المعلمين الإيجابي منها، بالتأكيد قابلها قصص ومواقف اجتهادية من معلمين ومعلمات تنقصهم الدراية بالسلوكيات التربوية مع التلاميذ ربما كانت لها انعكاسات خطيرة على مستقبل الناشئ، هكذا هي المدرسة فليست لتعليم الحروف والأرقام, بل هي منبع التربية والأخلاق والترابط الأسري وهي نهر من الوداد والعلاقات الإنسانية إذا ما وفقت بمدير ناجح تربوي عصري وفريق من الإداريين و المعلمين يدركون معنى (التربية والتعليم)، وكنت قد أوردت قصة المعلم الذي تحوّل لصديق لعائلة أحد طلابه ومختصرها: أن معلماً شدد على أحد الطلاب بتنفيذ الأنظمة وضرورة حلاقة شعره الطويل وغير المرتب, واضطر لأن يأمره بإحضار ولي أمره, وعند الصباح كانت امرأة عند باب المدرسة تطلب مقابلة المعلم بعينه, توجه إليها وبادرها بالسلام كأنها والدته، فأكدت له أنها لو كانت تملك قيمة قص شعر ابنها وترتيبه لجعلته في بطنه وإخوانه وليس في شعره, وأضافت: يا بني نحن أسرة معدمة وعائلنا بالسجن بسبب تعثره عن سداد مبلغ من المال وأننا من المتعففين وربما أنك فهمت ذلك من سكوت الولد, فلعلك تكف عنه وبارك الله فيك، وبعد إصرار ورجاء حصل منها على عنوان المنزل, وبجهوده والخيرين انحلت مشكلتها، وأصبح الطالب صديقاً للمعلم وكأنه والده، فلن تكون مربياً مالم تتعرف على احوال طلابك.