مبتعث سعودي تزوج فتاةً من بلد الابتعاث ورزقا بطفلين، وحين استقر ببلدته جنوب المملكة ظهرت على الزوجة الغربية كآبة الغربة، وبعد نقاشات لم تفلح غادرت إلى هناك وتقدمت للجهات المعنية ببلدها شارحة وضعها فمُنحت شقة صغيرة مستأجرة للإقامة المؤقتة، وطالبت بمصروف فجاء الرد بأن في النظام ما قد يفيدها، هذه القصة نشرتها وسائل إعلام محلية منذ فترة وتذكرتها وأنا أقرأ قصصاً من بلادي تتحدث عن مآس تتعرض لها نساء مسنّات من أبنائهن العاقين أو زوجات وبنات معضولات، وتذهب حقوقهن هدراً إمّا لعجزهن البدني أو المالي، أو لجهلهن بالأنظمة، أو للترفّّع عن ذلك حياءً وستراً وخوفاً من ألسنة في المجتمع المحيط لا ترحم ولا تعين، وإن كانت لهم المظلمة (لجوا في عتو ونفور)، ولعل من المفيد للإيضاح استذكار نماذج قريبة للذهن طرحتها وسائل الإعلام مؤخراً، فقد وجَّه أمير منطقة حائل بتشكيل لجنة فورية من الهيئة العليا لتطوير منطقة حائل وإمارة المنطقة والشؤون الاجتماعية والمحكمة للوقوف على حال المرأة المسنة وحفيدتها بضاحية قفار بمدينة حائل اللتَين نشرت الصحافة معاناتهما، كما وجَّه بنقل المسنة وحفيدتها لإحدى الشقق الفندقية حتى يتم شراء منزل لهما قريب من مدرسة الحفيدة وتأثيثه وتأمين احتياجاتهما والأهم أن سموه - حفظه الله - قد وجّه الشؤون الاجتماعية بمتابعة وضع المسنة وحفيدتها بصورة منتظمة، وكان المأمول أن الشؤون الاجتماعية هي أول من يعرف وضعهما بما لديها من إمكانات مفترضة ويُنتظر تطبيقها دون الاعتماد على الصحافة أو توجيهات ملزمة، وتجدر الإشارة أن فاعلي الخير لم يقصروا، مأساة ثانية لأرملة مسنة وقعت بين عقوق أبنائها وخداع أحدهم الذي تحصّل منها بالحيلة على توكيل دون معرفتها بمحتواه، واستغله برهن منزلها مقابل بضاعة كاسدة عجز عن سداد قيمتها، ليس هذا فقط بل الأعجب أن المحكمة قررت بيع المنزل حسب مرئيات القاضي، وفي ظنّي أنه لو تولى القضية قاض آخر لأخضعها لفقه الواقع وفقه المآلات، ولفطن لتغّير الفتوى بتغير الزمان والمكان والظروف (كما قال الفقهاء)، ثم مرة أخرى أين جهات الاختصاص (الاجتماعية) عن هذه الحالة؟ مثل هذه الحالات لابد أن تعالج بصفة رسمية وبحلول جذرية مستدامة ولا تترك لمبادرات الطيبين من فاعلي الخير، وكان زميل من شمال المملكة قد روى لي (قبل أكثر من سنة) قصة عجيبة مفادها أن طالبة في مرحلة بعد الابتدائية كانت لا تخرج منالصف أثناء الفسحة الصباحية بينما زميلاتها يستمتعن بتناول الشطائر والعصائر، وهي منكبة على نفسها وكأنها لا تريد مزيداً من الحسرة رغم محاولة عدد من زميلاتها على حثها للخروج للحديث معهن دون علمهن بما يعتريها من أسباب، إلى أن حدث ذات صباح وسقطت على الأرض فنقلتها المعلمات إلى غرفتهن وهناك كانت مفاتيح الغموض، إذ أوضحت أنها لم تذق زاداً منذ الأمس، وأنها تمتثل كلام أمها لها ولأخواتها الصغيرات بعدم الخضوع بالسؤال من أحد باعتباره عيباً تربّت عليه، فقامت المعلمات سراً بالواجب وأصلحن شأن الفتاة وأمها وأخواتها، كما هي عادة أهل الشمال ونخوتهم وكرمهم، أكرر السؤال أين كانت باحثات الشؤون الاجتماعية عنهن؟!.