لن تجد أحداً يجادلك أو يختلف معك عندما تقول إن التربية والتعليم في السنوات العشر الأول تشكل القاعدة الصلبة التي ينبني عليها أي تعليم مستقبلي للطفل، وبالتالي فإنه من الحماقة تجاهل هذه المرحلة تعليمياً وتربوياً كما نحن نفعل الآن. في السنوات العشر الأول من عمر الطفل تكون هناك نوافذ من الفرص مفتوحة تسمح للمربين بتأسيس أفضل العادات العقلية والقيم الأخلاقية والسلوكيات التي تصنع من الطفل مستقبلاً إنساناً (مبدعاً) (مفكراً) (مستقلاً) (مشاركاً) (مواطناً).
بعد سن السابعة أو العاشرة تبدأ كل نوافذ فرص إصلاح الطفل في الإغلاق، عندئذ سيكون من الصعب جداً اقتلاع ما قد يكون تشكل لدى الطفل من قيم وعادات وسلوكيات سلبية في غفلة منا. إذن ليس من الغريب أن تشاهد بين بعض أبنائنا سلوكيات منحطة ومهارات هزيلة ومعرفة ضعيفة، فنحن في الواقع نجني اليوم ما زرعناه فيهم في السنوات العشر الأولى من أعمارهم، سواء في محيطهم الأسري العائلي أو محيطهم المدرسي.
ومما يزيد الطين بله أن معلمي المرحلة الابتدائية لدينا يتم (اختيارهم) و(تخريجهم) و(تعيينهم) في غياب تام من المعايير المهنية والتخصصية والسلوكية، وهذه جناية كبيرة نتخذها بحق الجيل القادم، بل وبحق مستقبل وطننا. في دول متقدمة تعليمياً لا يقبل في كليات التربية إلا الثلث الأفضل من خريجي الثانوية، ويشترطون لدخول سلك التعليم الابتدائي حصول المتقدم على الماجستير، بل وعليه اجتياز اختبارات معقدة وفحوصات نفسية وفحص مخدرات وخلو سوابق. هذا هو فقط سر تقدمهم وسر تخلفنا.