لا يختلف اثنان على أن «الإسراف» و«التبذير» آفات اقتصادية تنهش في جسد أي مجتمع لأنها تمثل استنزافاً للموارد التي حبانا الله بها، ولذلك عندما نقرأ القرآن الكريم نجد كثيراً من الآيات الكريمة التي تنهانا وتحذرنا من الإسراف والتبذير مثل قوله تعالى: (وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)،
و قوله تعالى (وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا)، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}، وعلى ذلك فالمسلم مأمور بالاقتصاد في كل أموره اليومية من مأكل ومشرب وملبس ومركب وغيره.
قياساً على ذلك، فلا شك أن «الطاقة» من نفط وغاز هي أهم الموارد الطبيعية التي رزقها الله لنا ويتوجب علينا جميعاً أن نحمده ونشكره بالاقتصاد بها وليس بالإسراف والتبذير، لكن الواقع يشير أننا بكل أسف أسرفنا و بذرنا هذا المورد الطبيعي الهام مع بلوغ الطلب المحلي من النفط نحو ربع إنتاج المملكة مع استمرار نمو الطلب المحلي بمعدلات متسارعة بحيث إنه إذا استمر هذا النمو فإننا حتماً لن نتمكن من تصدير أي نقطة نفط واحدة بعد أقل من عشرين عاماً، وهنا لنتساءل: هل نحن مسلمون حقاً؟ وهل التزمنا بالنهي والتحذير الذي تضمنته الآيات الكريمة عن الإسراف والتبذير؟ وما الذي تغير يا ترى؟
عندما نعود إلى التاريخ قليلاً سنجد أن آباءنا وأجدادنا رحمهم الله عاشوا حياة صعبة جداً من فقر وجوع ومرض وخوف كما يعلم الجميع، إلا أن الملفت أنهم كانوا مبدعين في استغلال الموارد المحدودة جداً في ذلك الوقت حيث ابتكروا طرقاً (بحسب إمكاناتهم المتوضعة) لاكتشاف أماكن تجمع المياه ولحفر الآبار ولزراعة النخيل ولتربية الماشية ولبناء البيوت حتى وصل مستوى استغلال الموارد عندهم أنهم لم يفرطوا بأي شيء على الإطلاق مع استغلالهم لسعف النخيل في بناء المنازل ولوبر الماشية في حياكة الخيام وهذه أمثلة قليلة فقط، وفي الحقيقة لولا الله ثم استغلالهم لتلك الموارد المحدودة لما عاشوا هم، وربما ما أصبحنا نحن على ما عليه الآن!
لذلك يتوجب على كل واحد منا أن يقتصد في كل أموره الحياتية التزاماً بأحكام ديننا الحنيف كمسلمين صادقين مع أنفسهم وأن نقتصد تحديداً في استخدام الطاقة النفطية والكهربائية بمنازلنا ومكاتبنا وسياراتنا ومصانعنا من خلال ترشيد استخدام التكييف والإنارة والبنزين والغاز والديزل... إلخ وأن يكون هذا السلوك ثقافة نورثها لأبنائنا جيلاً بعد جيل، والأهم أن نتعاون جميعاً مع المركز السعودي لكفاءة الطاقة في مبادراته المستمرة التي تهدف دائماً إلى ترشيد استهلاك الطاقة بما يضمن حياة كريمة لنا ولأبنائنا في المستقبل بإذن الله.