من حسن حظ الدراما الخليجية الرمضانية، والسعودية على وجه الخصوص، أن النصف الأول من هذا الشهر (رمضان) كان المشاهد مشغولاً بدراما أكثر أهمية وتشويقاً، هي دراما كأس العالم، خاصة بعد «العضّة» الشهيرة للاعب الأوروجواي سواريز، ومباراة التاريخ السباعية في نصف النهائي، التي خسر بموجبها منتخب السامبا المونديال والتاريخ معاً؛ لذلك كان معظم المشاهدين منهمكين بمتابعة مباريات المونديال وأحداثه الساخنة!
لا أريد أن أستعرض جميع المسلسلات السعودية الرمضانية؛ لأن التوقف لعشر دقائق أمام مسلسل مثل (حسب الظروف) أو (دليفري) أو (خميس بن جمعة) يجعل المشاهد يشعر بالحسرة والغيظ معاً. الحسرة لأن تكلفة إنتاج هذا الغثاء تصل إلى ستة ملايين فما فوق. والغيظ أن مخرج العمل الأول راهن عليه الجميع، خاصة بعد عمله الرائع (35 درجة)، أعني سمير عارف، الذي سقط سقوطاً ذريعاً، بعد مسلسله المتواضع جداً، والمخجل جداً، مسلسل (حسب الظروف)، إلى درجة أن المشاهد يكاد يجزم أن سميراً لم يكن موجوداً في مواقع التصوير، وإلا كيف تمر أخطاء وسذاجة في الأداء، يمكن أن يعترض عليها مخرج مبتدئ؟ فهل كان سمير عارف مجبراً على مثل هذا المسلسل المتواضع؟ لا أعرف، لكنني أتمنى أن يظهر هذا المخرج الشاب في الإعلام، ويعتذر عن هذه السقطة المريعة!
وكذلك يزداد الغيظ على الفنان خالد سامي، الذي كان في بداياته فناناً بارعاً، لا يتوسل الكوميديا، بل كانت الكوميديا تجري في شرايينه، لكنه مع الوقت بدأ يتحول - مع الآخرين - إلى العمل بحس تجاري بحت، وتورط أكثر بجلب شباب اليوتيوب معه، وهم الذين ثبت فشل معظمهم، سواء في هذا المسلسل، أو غيرهم؛ لأن كوميديا السخرية والتقليد في قنوات اليوتيوب لا ترتقي إلى الكوميديا السوداء، التي يحكمها الوعي، والموقف، لا الحركات (والشقلبة) و(الاستهبال) الممجوج.
أما الغيظ للمرة الثالثة فيرتبط بالفنان فايز المالكي، وهو فنان يمتلك حساً إنسانياً يتفق عليه الجميع، تفوق كثيراً على المسرح، لكنه عند صناعة المسلسلات والكوميديا ينسى أن مواقع التصوير ليست خشبة مسرح، وأن الارتجال المطلوب في المسرح يصبح منبوذاً عند الوقوف أمام الكاميرا، كما أنه ليس بالضرورة أن يمتهن الجميع الضرب والرقص والقفز؛ فهي أمور ليست من الكوميديا في شيء!
فمن يتابع الممثل عبدالعزيز الفريحي، في مسلسل (حسب الظروف)، وهو من الذين كانت بداياتهم تبشر بمولد نجم، يدرك أن هذا الفنان، مهما بذل من جهد وقفزات وصرخات، لن يقنعنا إطلاقاً بأنه ممثل كوميدي؛ لأن الكوميديا ليست (ذبَّات) ونكات يرمي بها من يقف أمام الكاميرا، كما لو كان في (جلسة استراحة) مع الشباب، إنما هي فن راقٍ، يعتمد على وعي الفنان أولاً، وعلى موقفه، وقبل ذلك على وعي كاتب النص ومواقفه، وهي مصنوعة بطريقة رائعة، تشعرنا أمامها بتلقائيتها الفذّة، وهو أمر يصعب تحقيقه مع هذه الطاقات من الممثلين، والمخرجين والمنتجين التجاريين!
أخيراً، أشعر بأن علينا شكر منظمي المونديال، الذين أبهرونا بلقاءات فاتنة، رحمتنا من متابعة هذه المسلسلات المتواضعة!