طالما سألت مثل غيري: هل يمكن لعاقل (ومن خلال منظورنا كعرب ومسلمين او حتى كمسيحين او يهود او بوذيين أو أياً كان، كائنا من كان ممن يعيش على هذه البسيطة ويقدر حق البشر (ليس في العيش) بل فقط في عدم الموت لمجرد أننا يمكن أن نوجد في منطقة حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل)!
أقول: كيف لا يتمكن العالم (و تحديدا داخل الولايات المتحدة) من رؤية البشاعات الهائلة والقتل والتدمير الذي تقوم به إسرائيل في غزة؟
كيف يمكن للعالم أن يتحدث مثلا عن (صاروخين) اطلقتهما حماس السبت 2 أغسطس على المدن الإسرائيلية التي لم تأبه ولم تتأثر بالطبع بهذه الصواريخ (الكرتونية البدائية) في حين سقطت آلاف القذائف والصواريخ الإسرائيلية فوق غزة مما أدي إلى قتل 1800 فلسطيني. كما شهدت غزة السبت الماضي إقامة أكبر مسيرة جنائز عرفتها في تاريخها، وذلك لتشييع 100 فلسطيني قتلوا يوم الجمعة الموافق 1 أغسطس حين قامت إسرائيل (بإطلاق صواريخها) وتدمير 40 مسجدا؛ إما بشكل كلي أو جزئي.
للأسف فإن نظام الردع الجديد الذي ابتكرته إسرائيل قضى على أمل حماس في إلحاق خسائر فعلية في إسرائيل عسكريا أو اقتصاديا ولهذا لم يتجاوز قتلاها حتى اليوم 64 جنديا مقابل 1800 (حتى الآن) في الجانب الفلسطيني، كما أن التقدم العلمي والتكنولوجي والقوة الاقتصادية لإسرائيل والدعم اللامحدود الذي تتلقاه من الولايات المتحدة سيعوضها عن كافة خسائرها الاقتصادية، بل أكثر! فلماذا يموت الآلاف في غزة من أجل فرقعات إعلامية (حماسية)؟؟ هل هو العقلية العربية المتخمة بالترديد الفارغ للشعارات وانعدام الرؤية الواقعية للآلام البشرية؟ هل يعني قول ذلك هذا اننا ندعم إسرائيل في حربها ضد الفلسطينيين او ندعو لعدم الجهاد ضد المحتل؟
ابداً فالمحتل سيبقي كذلك مدي الدهر لكن استراتيجيات المقاومة يجب أن تتغير مع الزمن؛ إذ لا يجب أن تدفع طفلة فلسطينية ثمنا باهظا لسياسات مقاومة عرجاء؟؟
مثلا: نظام المقاومة الإسرائيلي المسمى بالقبة الذهبية لاعتراض الصواريخ والذي تستخدمه الدولة العبرية لصد صواريخ حماس مكنها حتى الان من ان تكون قادرة على صد تسعة من كل عشرة صواريخ تطلقها حماس!!
استغرق الوصول لهذا النظام سنتين وكلف إسرائيل وبدعم من دافع الضرائب الأمريكي ملياراً وسبعمائة الف دولار واعتبر مهندسه الإسرائيلي اليوم بطلا قوميا لأنه تمكن من حماية إسرائيل من القذائف (البدائية) التي تطلقها حماس!! وقدم الكونغرس الأمريكي في 2 أغسطس الحالي وبغالبية مطلقة تم التصويت عليها من قبل 295 نائبا وباعتراض 8 فقط معونات جديدة لإسرائيل تقدر 222 مليون دولار، وذلك لشراء معدات داعمة لنظام القبة الذهبية المذكور! فهل ستكون سياسات اطلاق الصواريخ من قبل حماس فاعلة كما كانت من قبل؟
مقابل ذلك قامت اسرائيل وحتى الآن بضرب سبعة أهداف (مدارس) ترعاها الأمم المتحدة رغم إبلاغها أكثر من ثلاثين مرة بأن هذه المنشآت تحت حمايتها ولكن لم يتأثر الرأي العالم الأمريكي بكل ذلك رغم أن الإحصاءات تؤكد أنه من بين كل ثلاثة مصابين في غزة هناك طفل مصاب كما قتل 1800 شخص بينهم 400 من الأطفال، ويوجد 8000 جريح هذا عدا عن الجروح النفسية والاجتماعية والفقد والذعر الذي حل بأهل غزة والذي سيهلك جيلا بكامله ويجعله (حماسيا) اكثر من حماس الان فكيف يمكن التعتيم على حقائق كهذه أمام الرأي العام الأمريكي؟
نحن كطلاب وسياح ومواطنين نذهب للولايات المتحدة لطلب العلم او للخبرة الطبية أو العلمية او للسياحة او الزيارة فنجد شعبا لطيفا متفهما ومدافعا عن حقوق الأقليات ويؤمن بالعمل التطوعي والعطاء والبذل للآخرين، ولذا فلا نتفهم سبب الدعم اللامطلق للحكومة الأمريكية لحكومة نتنياهو التي تقتل وتدمر دون حساب، رغم أن شاشات القنوات الإخبارية تمتلئ بمشاهد القتل والتدمير والجثث وطوارئ المستشفيات التي يحدثها الجيش الإسرائيلي المعادي دون اكتراث بالمعايير العالمية للمفاهيم الإنسانية التي اتفق العالم عليها لحماية نفسه لدرجة دفعت الأمين العام للأمم المتحدة ليقول بلغة غير دبلوماسية ولم يعرفها العالم قبل بأن ما تفعله إسرائيل غير محتمل ويصنف كجريمة حرب (؟؟) فلماذا لا يستيقظ الضمير الأمريكي؟
في دراسة لاتجاهات الرأي العام قام بها معهد جلوب الشهر الماضي (يوليو 26 -2014) اتضح انقسام في الراي العام الأمريكي تجاه تبرير ما تفعله إسرائيل في قطاع غزة مدعمة بحجتها الرئيسية والتي تدعمها الولايات المتحدة بقوة وهو تدمير الانفاق التي حفرتها حماس وتصل للأراضي المحتلة، ويمكن أن تشكل تهديدا لأمن إسرائيل حيث تبين من خلال الاستفتاء المذكور دعم قوي للرجال مقابل النساء وللبيض مقابل السود وللصغار مقابل الكبار؟؟
هذا يعطي مؤشرا للخلفيات الثقافية والعرقية لمن يسيطر حاليا على الكونغرس الأمريكي الذي أهمل مثلا كل القضايا الداخلية قبل ان ينفض لإجازته السنوية هذه السنة والتي تستمر خمسة أسابيع (منها تجاهله لموضوع داخلي يشعل الان كل القنوات الأمريكية وهو موضوع المهاجرين والمتسللين من المكسيك إلى الولايات المتحدة) في حين أقر مباشرة طلب إسرائيل بدعم إضافي بلغ 222 مليون دولار لشراء معدات لنظامها الدفاعي الصاروخي؟؟
في النهاية، يظل سؤالنا قائما: ما الذي يجعل الولايات المتحدة الحليف الوحيد تقريبا للنظام الصهيوني؟ هل نعتد بما يجري من مظاهرات صغيرة في العاصمة الأمريكية ويقوم بها في الغالب عرب ومهاجرون ومسلمون يعدون على هامش صنع القرار في ذلك المجتمع؟ إذن من يصنع القرار المؤثر؟ أرجوكم استمعوا دائما الى فوكس نيوز: هذه القناة الصهيونية بامتياز فمن خلال ما تعرضه نعرف كيف يتلاعب الإعلام بعقول المجتمع الأمريكي وقارنوا بين ما يعرض على ال(ببي بي سي) (وهي قناة بريطانية أولا وأخيرا أي أنها ليست عربية) (أي كيف تعرض هذه القناة الحدث) وبين ما يعرض في قناة فوكس نيوز لحظة حدوث أي خبر له علاقة بإسرائيل حيث تعمد الأخيرة إلى تجاهل الإصابات في الجانب الفلسطيني والتركيز فقط على وجهة نظر إسرائيل بفقدها مثلا لجندي واحد او التذكير بخطر الصواريخ الوهمية لحماس او إعادة نغمة الأنفاق التي حفرتها حماس؟
حجم الضغوط على الرأي العام من قبل الإعلام المنظم؛ سواء كان تقليديا من خلال القنوات او من خلال وسائل التواصل الاجتماعي كبيرة جدا ويمكن أخذ أمثلة لها من خلال متابعة مواقف بعض المشاهير الذين أعلنوا تأييدهم قبل أيام وعلنا لغزة وأهلها (رغم أنهم لم يعلنوا الغضب والتنديد لإسرائيل) لكنهم اضطروا لسحب تأييدهم بعد أن تم شن الحرب عليهم من خلال الإسرائيليين ومؤديهم حول العالم في كل الوسائط السابقة الذكر مثل المغنية ريهانا او لاعب كرة السلة أدوار هاورد وعارضة الأزياء جيجي حديد، والذين اضطروا جميعا لسحب تغريد اتهم التي وضعوها لدعم غزة بعد شن حرب شعواء عليهم من قبل وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام التقليدي وشركات الإنتاج الخاصة بأعمالهم.
هناك قوى إعلامية واقتصادية تتحكم بمسار الرأي العام الامريكي، ولن نستطيع تغييره بقوة الحق فقط بل بفهم لغته وكيف يعمل على أرض الواقع.. أتمني أن يفهم الفلسطينيون ذلك ويوجهون جزءاً من طاقاتهم في هذا الفضاء بدل هذه الصواريخ الكرتونية؟