ما حملته الأيام الماضية التي زامنت وفاة الشاعر الكبير سعيد عقل من سرد واستعادة ما أبدعه من قصائد مع ما تحمله الأيام القادمة، وفي كل وقت لا يتوقف فيه الحديث عن شاعر يُعد امتداداً للشعراء العرب الذين خلّدهم التاريخ.. كنت فيها من المتابعين لكل ما كنت أجهله عنه أضفته للقليل مما كنت أعلمه، وبما أنني لست متخصصاً في هذا الجانب من أنواع الأدب والثقافة والشعر إلا بما أشعر به من عشق لكل قصيدة تستحق القراءة.. وهنا أتوقف عند قصيدة هذا الشاعر قبل أن أتحدث عما أريد الحديث عنه.. وأعني به قصيدة (غنيت مكة) وغيرها من قصائده التي تحمل صوراً يمكن استلهامها لتنفيذ لوحات تشكيلية تزدان بالصور البصرية التي تزخر بها كل قصيدة.
أعود لبيت القصيد، وهو ما أدلى به الشاعر سعيد عقل من تعليق حول الفن التشكيلي، خصوصاً اللوحات الحديثة والذي جاء في حوار إذاعي كما سمعته..
يُعلّق الشاعر عقل على أن ما يتم من أعمال معاصرة كما يسميها أهل الفن لا يُعتبر فناً بقدر ما يمكن وصفه بالمسخ..
مضيفاً أن من يقوم على مثل هذه الأعمال هم غير القادرين على استلهام الطبيعة.. مشيراً إلى أن الطبيعة مصدر إلهام ومعلم لكل مبدع، وأن ما يقوم به الفنان الحقيقي هو إضافة أحاسيسه ومشاعره ليضفي بها جمالاً حسياً على جمال الطبيعة المادي الذي خلقه الله.. مع ما استحضره الشاعر عقل من فلسفة أرسطو وتحليله للطبيعة..
هذا الجزء القليل جداً من حديث شاعر له هذا الحجم من القيمة والقامة يجعلنا أيضاً نطرح التساؤل عن حجم وعي شعرائنا وأدبائنا بالفن التشكيلي ونستحضر واقعنا الثقافي وما فيه من تحزب أو ميل إلى درجة التعصب من كل صاحب إبداع أو فن من فنون الأدب أو الثقافة تجاه إبداعه فقط، يكشف لنا الواقع الكثير من الفجوات ومساحات التباعد بين كل الإبداعات، فكل منهم يهيم في واديه دون أن يعلم أو يسعى إلى كيفية الوصول إلى مرحلة الارتقاء أو البحث عن سبل جمع ومزج يستخلص منها إبداعاً مشتركاً ينفع البلاد والعباد.
لم أتوقع أن أسمع في ذلك اللقاء الجميل من رجل أجمل، وما كشفه لنا من اتساع مساحة ثقافة شاعر أن يكون ملماً بالفنون التشكيلية وبكل ما يدور فيها، واعتقادي أنه كغيره من المنغلقين على إبداعاتهم إلى درجة التوحد بها دون تواصل مع الفنون الأخرى، والشواهد كثيرة نتلقاها في إجابات كثير من الأدباء والشعراء لا يفقهون من الفن التشكيلي سوى اسمه، أو ما يمر بهم من خبر أو حضور لمعرض يتبعون من دعاهم دون وعي بما هم فيه أو ما تمت دعوتهم إليه.